المالية:خارطة الأداء المالي للدولة مطمئنة

مؤشر الخميس ١١/أغسطس/٢٠٢٢ ١٠:١٣ ص
المالية:خارطة الأداء المالي للدولة مطمئنة

مسقط - الشبيبة

نشرت وزارة المالية مؤخرًا تقريرًا وتفاصيلاً بالأداء المالي للموازنة في السلطنة خلال النصف الأول من عام 2022، والتي احتوت على نتائج مبشرة من خلال قراءة هذا الأداء.ووصف الدكتور محمد بن حميد الوردي؛ أكاديمي ومحلل اقتصادي، التحديثات الأخيرة حول الأداء المالي في السلطنة بأنها فرصة نادرة وثمينة، نظرًا لارتفاع أسعار النفط الحاد في ظل ضبابية الاقتصاد العالمي بالوقت الحالي وضبابية مستقبل النفط على المدى المتوسط، حيث تحاول الحكومة التركيز على استغلال هذا الارتفاع استغلالاً مثاليًا من خلال عدة محاور لعلّ أهمها الاستدامة المالية من خلال خفض عجز الموازنة وبالتالي خفض العجز والدين العام، حيث يقدر الدين العام للدولة بحوال 20,8 بليون ريال عماني بنهاية 2021، وهو ما يمثّل أكثر من 80% نسبةً إلى الناتج المحلي، وانخفض في الوقت الحالي إلى حوالي 18,8 بليون ريال عماني بنهاية يوليو الفائت، وهو ما يمثل حوالي 53% من الناتج المحلي، وهذا يعتبر تطور وتغيير جوهري في الاستدامة المالية من أجل ضمان الاستقرار المالي وتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد العماني ورفع التصنيف السيادي للدولة.

وأضاف الوردي إلى أن المحور الثاني الذي تركز وتعوّل عليه الحكومة العمانية من خلال استغلال الوفورات المالية هو زيادة المصروفات الإنمائية، وهو ما تم ملاحظته من خلال التوجيهات السامية لزيادة هذه المصروفات الإنمائية بمقدار 200 مليون ريال عماني لهذا العام، على أن تتم الزيادة بنفس النسبة على مدار الأعوام القادمة المتبقية من الخطة الخمسية العاشرة، إضافة إلى التسهيلات وزيادة الموارد المالية لبنك الإسكان وإعفاء كثير من المقترضين بما يقدر بحوالي 33 مليون ريال عماني، وتخفيض رسوم الخدمات الحكومية ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تضررت بسبب جائحة كورونا، ويعد هذا المحور مهم جدًا حيث بالكاد تجاوزت الدول التداعيات والإرهاصات الحاصلة في الاقتصاديات الدولية والمحلية نظرًا لتأثرها بجائحة كورونا مؤخرًا، حيث عانى الاقتصاد المحلي كثيرًا خلال الفترة الفائتة بسبب جائحة كورونا وغيرها، وهو ما يوجب زيادة الزخم الاقتصادي من خلال زيادة المصروفات الإنمائية وتحسين الاقتصاد الوطني، وهو ما تعوّل عليه الحكومة ولكن بطريقة متوازنة بحيث لا تستغل الفوائض المالية بإنفاقها بالمجمل في المصروفات الإنمائية على حساب زيادة الدين العام.

وأشار الدكتور محمد إلى أن المحور الثالث هو العمل على مواصلة دعم المنتجات النفطية، حيث بلغ الدعم ما يقارب 314 مليون ريال عماني في النصف الأول من عام 2021، وهو ما ساهم في الحد من التضخّم، حيث يعاني العالم من تضخم كبير بما يقارب 9% في مختلف الدول الغربية والأسواق الأمريكية، مقارنة بتضخم بحوالي 3% فقط في السلطنة ودول الخليج الأخرى، ويعزى السبب وراء ذلك إلى دعم أسعار المنتجات النفطية والكهرباء والطاقة بمختلف أنواعها، لذلك يعدّ هذا المحور مهم في تحسين المستوى المعيشي والحد من التضخم الاقتصادي.

ويرى الوردي أنه يجب التركيز على كلا الشقّين من ناحية زيادة الإنفاق الإنمائي لتنشيط الاقتصاد وفي نفس الوقت خفض الدين العام للدولة والتقليل من استنزافه لميزانية الدولة والعمل على رفع التصنيف السيادي للدولة، وهو ما سيقلل من خدمة الدين العام وتكلفة التمويل للمشاريع الحكومية والشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص ككل، وهذا ما نجحت فيه الحكومة من موازنة كلا الأمرين من أجل الصالح العام ولصالح الوطن على المدى المتوسط والبعيد.

وأكّد الوردي أن التضخم يعتبر هو المشكلة الاقتصادية الأولى في العالم، وله عدة مسببات منها ارتفاع أسعار النفط وغيرها، ولكن حكومة السلطنة قللت من آثار التضخم الاقتصادي في السلطنة، حيث اتخذت عدة اجراءات منها رفع البنك المركزي العماني لأسعار الفائدة على قروض عمليات إعادة الشراء للبنوك وغيرها وذلك لارتباط سعر الريال العماني بالدولار الأمريكي، كما بلغت نسب التضخم في دول أوروبا إلى حوالي 6% وفي أمريكا إلى حوالي 9%، ولكن في الدول المصدّرة للنفط والداعمة للوقود والمنتجات النفطية فقد بلغت نسبة التضخم حوالي 3% فقط، وذلك نظرًا لاستمرار هذه الحكومات في دعم المنتجات النفطية والتدرج في رفع الدعم عن الكهرباء والطاقة، بينما يرتفع التضخم في الإيرادات الأخرى وهو تضخم عالمي ليس بيد السلطنة، ولكن حكومة السلطنة تواصل تقديم دعمها في هذه الجوانب مثل المواد الغذائية حيث قدمت دعمًا بحوالي 11 مليون ريال عماني في النصف الأول من عام 2022، إلى جانب تثبيت أسعار القمح والذي تأثر بشدة بسبب التداعيات والاضطرابات السياسية بين روسيا وأوكرانيا، ومن الملاحظ انخفاض أسعار جميع هذه المنتجات إلى جانب انخفاض أسعار النفط كذلك نظرًا إلى حل بعض النزاعات السياسية، إلى جانب رفع نسبة الفائدة من قبل البنك المركزي العماني والذي يسعى إلى كبح الإنفاق وزيادة الطلب لتبدأ أسعار التضخم بالاستقرار، وهو ما يلاحظ من حيث انخفاض أسعار النفط من حوالي 120 دولار إلى 94 دولار في الوقت الحالي، وكل هذه المؤشرات تدل على تباطؤ التضخم العالمي.

كما عانى القطاع الخاص من إشكاليتين في السنوات الأخيرة أحدهما إنخفاض الإنفاق الحكومي حيث يعتمد القطاع الخاص اعتمادًا كليًا على الإنفاق الحكومي، إضافةً إلى إنخفاض إيرادات الموازنة، إلى جانب دفع المستحقات من ناحية العقود والمناقصات وغيرها وهو ما سبب عائقًا وثقلاُ على القطاع الخاص، وتحاول الحكومة في الآونة الأخيرة وخصوصًا في السنتين الأخيرتين دفع المستحقات للقطاع الخاص بأسرع طريقة ممكنة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تقرير الأداء المالي للنصف الأول من هذا العام حيث تم دفع حوالي 500 مليون ريال عماني من المستحقات للقطاع الخاص، كما قامت وزارة المالية بمبادرة تمويل سلاسل الإمداد والتي تهدف إلى تسريع دفع المستحقات للقطاع الخاص لتعزيز دوره ونموّه في الاقتصاد العماني عوضًا عن الانتظار لدفع المستحقات من خلال وزارة المالية بحيث يتم دفعها مباشرةً عن طريق البنوك التجارية العاملة في السلطنة، وتساهم الوزارة في جزء من فائدة تمويل هذه المبالغ.

وأضاف الدكتور محمد الوردي أن هناك العديد من النواحي التي تهدف إلى تعزيز الجانب الاقتصادي من ضمنها زيادة الانفاق الحكومي وهو ما تعمل الحكومة على زيادته، إضافةً إلى زيادة القوة الشرائية للمواطن من خلال زيادة توظيف الباحثين عن عمل أو زيادة مرتبات موظفي القطاع الحكومي، حيث توقفت الترقيات لعدة سنوات وهي تعتبر حق من حقوق المواطنين من أجل تحفيزه وزيادة دافعيته نحو العمل، ومن المؤمل أن تبادر وتباشر الحكومة بدفع هذه الترقيات في ظل التحسن الاقتصادي وتحسن الأداء المالي للسلطنة.

كما أشار الوردي إلى أن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عانى كثيرًا في ظل تأثره من جائحة كورونا ومبادرات التوازن المالي ورفع أسعار الوقود والكهرباء والماء، إلى جانب انخفاض القوة الشرائية للمواطن، ويعتبر تحسن الاقتصاد هو طوق النجاة لهذه المؤسسات من خلال زيادة المصروفات الإنمائية أو من خلال تعزيز القوة الشرائية للمواطن، أو من خلال الجهود المتنوعة التي تقوم بها السلطنة لدعم رواد الأعمال في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتخفيض الرسوم ومنحهم الأولوية في المناقصات وغيرها، ويرى بأن الاقتصاد المحلي يعطي تفاؤلاً بالتحسن والنمو وهو ما يمنح التعزيز والقوة والدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، طالما بقيت أسعار النفط مرتفعة وزادت الفوائض المالية في السلطنة، وتظل بقية الجوانب مبهمة وضبابية كون الاقتصاد العماني يعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط.

كما يعتبر مستقبل الاقتصاد وأسعار النفط ضبابيًا، حيث تتأثر هذه الأسعار بالاقتصاد العالمي الذي تأثر بجائحة كورونا والتضخم الاقتصادي، وهو ما تعمل على كبحه البنوك الدولية والمركزية من خلال رفع الفوائد وهو بالتالي سيقلل من حجم الإنفاق، وهناك مخاوف من زيادة التضخم وانخفاض الإنفاق وهو ما يعرف اقتصاديًا بالتضخم الركودي، وقد بدأت بوادره في بعض الدول، وتعتبر أسعار النفط إحدى هذه البوادر، وحسب أوبك فإنه من الملاحظ انخفاض في نسبة طلب النفط بسبب ضبابية الاقتصاد العالمي وزيادة العرض في قطاع النفط، لذلك تعمل أوبك على عدم زيادة الانتاج النفطي بطريقة تؤدي إلى انهيار أسعار النفط، إلى جانب انخفاض الاستثمارات في هذا المجال، وهو ما يرشّح بقاء أسعار النفط بطريقة آمنة للموازنة العمانية.

وأضاف الوردي أن جهاز الاستثمار العماني ملتزم نوعًا ما بتعزيز ودعم الموازنة المالية بنحو 800 مليون ريال عماني من خلال نتاج الاستثمارات أو ربحية الشركات الحكومية المندرجة تحت مظلة جهاز الاستثمار العماني، وهذا الرقم لا يعكس بالضرورة أداء وأرباح هذه الشركات الحكومية من خلال المشاريع الجديدة أو القائمة وإنما يعكس مساهمة الجهاز والتزامه في دعم الموازنة المالية.

وأوضح الدكتور أن الإيرادات الجارية التي تقدّر بحوالي 1,796 مليار ريال عماني تتضمن الضرائب والرسوم، حيث تضمن الضرائب ضريبة الدخل والتي تقدر بحوالي 424 مليون ريال عماني والتي تأتي من شركات القطاع الخاص، إلى جانب الضرائب الإنتقائية التي تفرض على التبغ والكحول وغيرها والتي بلغت 48 مليون ريال عماني، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة والتي بدأ تطبيقها من أبريل العام الماضي وتقدر حصيلتها في النصف الأول من 2022 بحوالي 345 مليون ريال عماني.

ومن المتوقع أن يتواصل زخم الإيرادات النفطية وزيادة الفوائض المالية والأداء المالي للسلطنة في الارتفاع والأداء الجيد خلال النصف الثاني من هذا العام، كما يتوقع أن ينخفض نسبة الديون الحكومية لتصل إلى حوالي 48% من مجمل الناتج المحلي وهو يعتبر إنجاز بحد ذاته ويخلق اطمئنانًا في يتعلق بأداء الاقتصاد العماني.