بقلم : محمد محمود عثمان
الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى تراجع الاستثمارات والأنشطة في كل القطاعات، ثم ينتج عنها الركود عندما يستمر التراجع لعدة شهور متتالية، وينعكس ذلك على المواطن العادي في حياته اليومية، ونحن نعيش الآن حالة الركود، وربما قد لا يشعر به البعض، إلاإذا دققنا النظر، من خلال تعثر المشروعات الكبيرة والصغيرة وتأثر القطاع الخاص بدرجات متفاوته، وقد يكون ذلك أمرا طبيعيا، باعتباره جزءا طبيعيا من الدورة الاقتصادية التي تشهد ارتفاعات وانخفاضات على فترات، ولكن الخطير هو استمرار الانخفاضات، التي يغذيها الترهل الشديد في أسواق العمل وسوء الإدارة والانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، الذي تكمن خطورته عندما يتجاوز الانخفاض نسبة 10%، لأن ذلك من إرهاصات المرحلة الأولى من الكساد، لأن الركود قد يكون أمامنا أو خلفنا ولكن لا ندركه خاصة في ظل وجود ظواهر منها انخفاض مبيعات العقارات، زيادة معدل البطالة، ارتفاع معدلات التضخم، انخفاض طلبيات التصنيع، وتباطؤ مبيعات التجزئة، وتذبذب سوق الأسهم، وأن ترحيل المشاكل من أزمة كورونا وأزمة أوكرانيا يقودنا إلى مرحلة الكساد وهى أخطر من الركود، وتشير إلى توقعات بإعصار اقتصادي مدمر، يُشيع الخوف والقلق بين المنتجين والمستثمرين والمستهلكين، وعلينا أن ننتبه إلى ذلك مبكرا وطرح البدائل الذاتية وتنفيذها، وخاصة في الدول المصدرة للمواد الأولية التي ترتفع أسعارها، وعلى رأسها الدول النفطية التي تستفيد- مؤقتا - من الأزمة ومن فوائض عائدات صادرات النفط، حتى لا نجد أنفسنا في وضع من السيء إلى الأسوأ، في ظل تعثر بعض الاقتصاديات التي لم تنجح في العودة للتعافي الاقتصادي ولو جزئيا حتى الآن، لأنها كانت غارقة حتى رأسها في أزمة كورونا والإجراءات الصحية على حساب الاقتصاد، بل أضافت تعقيدات إلى الأزمة بعدم استقرارالتشريعات، وفرض ضرائب متنوعة ورسوم باهضة على الخدمات، ومن ثم أهملت أي نظرة اقتصادية مستقبلية، للمحافظة على الأقل بما لديها من إمكانات مادية وبشرية، وهى تمثل في جوهرها خسائر آنية ومستقبلية، وركزت على حلول جزئية لحل مشكلة الباحثين عن عمل من خلال الاهتمام بعمليات إحلال يقابلها تسريح أعداد مماثلة من العمال، وبدون التوسع في الاستثمارات والصناعات التي تولد فرص العمل الحقيقية، وتعزز القدرة التنافسية للاقتصاد، وهذا يعرقل الدورالحقيقي للقطاع الخاص - أبرز الفاعلين في تحقيق التنمية الاقتصادية - في المحافظة على السلام الاجتماعي في المجتمعات، ولا سيما مع تضاؤل دور المؤسسات الحكومية في قطاعات الإنتاج المؤثرة، الذي يبدو جليا في التقلص الشديد في الإنفاق الحكومي ومحدودية المناقصات وحجم الأعمال، ونقص السيولة، وانخفاض الطلب بشدة مع زيادة العرض، وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين وارتفاع التضخم، وتراكم الديون وإحجام البنوك عن الإقراض ووضع قيود وضمانات قاسية، وارتفاع نسبة الفائدة، وزيادة الديون المتعثرة والمعدومة، وزيادة تكلفة خدمة الدين، وخسائر الشركات وانخفاض دخل الأفراد في مواجهة التصاعد المستمر في الأسعار، لأنه بين الركود والكساد مساحات شاسعة وواسعة هى الطريق الأسرع لوقف النمو، وقد شعرت الدول بهذه المعاناة الحقيقية بعد أن تم تسريح الخبرات من الكوادر الفنية والإدارية المدربة وتعثرالشركات الكبرى، وتوقف أوإفلاس وتصفية الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتفشي حالة من الخوف والهلع لدى المستثمرين والشركات، وارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج ومشاكل المستثمرين مع قروض البنوك وهروب معظمهم إلى ملاذات أخرى أكثر جاذبية، الأمر الذي نتج عنه انهيارات في القطاعات الاقتصادية الأساسية في المجتمع، وتسبب بذلك في تفاقم الأزمة الاقتصادية واستدامتها لسنوات قادمة، بعد إصابة الاقتصاد بالشلل وشبه توقف الحياة، وما زاد الطين بلة تفاقم أزمتي الغذاء والطاقة والآثار السلبية للحرب الروسية - الأوكرانية، التي أتت على اقتصاديات تعاني منذ البداية من الضعف والهشاشة والتضخم، ولكنها استثمرت ذلك بجعله الشماعة التي تلقي عليها بعجزها، وقد أدى ذلك إلى نظرة تشاؤمية في توقعات صندوق النقد الدولي بتراجع الاقتصادي العالمي وبانحسار معدل النمو إلى 3.6% في عامَي 2022 و2023، بعد أن كانت تقديراته عند معدل 6.1%.في يناير 2022، وقد تزداد حدة التوقعات التشاؤمية إذا عجزت الحكومات عن تعويض شركات القطاع الخاص عن الخسائر التي منيت بها نتيجة التوقف عن العمل، لذلك من الضروري تنفيذ حزمة محفزات سريعة ومقننة وفاعلة، بداية من جدولة الديون وخفص معدلات الفائدة على القروض والودائع، وخفض سقف الاحتياطي الإلزامي للبنوك لتتمكن من زيادة قدرتها الإقراضية للشركات والأفراد، لأن للبنوك دور حيوي وأساسي في زمن الركود من خلال عمليات التحفيز الاقتصادي الذي يُسرع مراحل التعافي والخروج بأمان أو بأقل الخسائر، مع خفض الضرائب والرسوم الخدمية، لتحريك الطلب وزيادة القوة الشرائية، إلى جانب تحفيز جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية ومراعاة احتياجات رجال الأعمال من الصناعيين، التي توفر فرص العمل الجديدة، التي تتصدى للبطالة والباحثين عن العمل، لأنها من أهم عوامل مواجه الركود ومقاومته، حتى يتحقق التوازن المطلوب في القطاع الخاص الذي يمكنه من التعافي والعودة مرة أخرى للإنتاج والتصدير، ومن ثم تنشيط سوق العمل وتشغيل رؤوس الأموال والاستفادة من الودائع والمدخرات، في تنفيذ المشروعات الصناعية الجديدة.