بقلم : محمد بن علي البلوشي
تحتاج بعض الرؤى إلى استشراف متطلبات المستقبل وهي نظرة قد يغفل عنها الكثيرون فبناء منزل صغير بالإمكانيات المتاحة يحتاج إلى استغلال كل المساحات فيه لمن هم في امكانيات مادية متواضعة أو دخل محدود، فزيادة الأبناء سيشكل ضغطًا على امكانيات المنزل، في حين إن تمت الاستفادة من المساحة فستصبح النتيجة مريحة. هذه أمثلة بسيطة..فماذا عن بعض بعض القرارات التي تغير مجرى الزمن. في 2005 قال مولانا المغفور له -بإذن الله تعالى- السلطان قابوس حينما طرح فكرة إنشاء جامعة للبلاد -لاحظوا أن عمان آخر دولة في المنطقة تنشئ أول جامعة في الثمانينيات- البعض ممن استشارهم السلطان الراحل أشاروا بفكرة أخرى وهي أنه لاداعي في الوقت الحالي -آنذاك- لإنشاء جامعة حيث يمكن إرسال الخريجين المتفوقين أو المستوفين للشروط للخارج وبتكاليف أقل مما تتطلبه إنشاء جامعة..هذه آراء لم تكن تستشرف متطلبات المستقبل - لكن مولانا المغفور له - بإذن الله تعالى- كان يستشرف المستقبل ومتطلباته وأن تكون للبلاد جامعة تستوعب المخرجات التي ستزداد يوما بعد يوم..فقرر حينها إنشاء الجامعة الأولى، وقال كلمته: «نحن نستشير ونشاور لكننا إن عزمنا توكلنا« فأصدر أوامره السامية بإنشاء جامعة السلطان قابوس التي يملأ أبناؤها البلاد عرضًا وطولًا ومن شمالها لجنوبها ميادين العمل الحكومي والقطاع الخاص. ذلك يذكرني بقطاع الصحة الحالي الذي بدأ يعاني من نقص الكوادر الوطنية من الممرضين والممرضات إلى الأطباء بمختلف اختصاصاتهم الطبية في حين تبحث دول المنطقة عن أبنائها ليدخلوا التخصصات الطبية يبحث خريجو الكليات الطبية عمن يحل مشاكلهم كقصص اطباء الامتياز الذين هم أشبه بسلعة نادرة في السوق لكن وزارة الصحة ولأسباب مالية ونظرة قاصرة اعتبرتهم سلعة عادية مثلها مثل تخصصات الكتبة والإداريين .. مؤخرا لجأت وزارة الصحة إلى الاستعانة بالأطباء من الخارج - وهو تنافس تتصارع عليه مختلف الدول لجلب الأطباء ذوي المهارات العالية وهي ليست مقتصرة على عمان- بعد أن وجدت أن مرافقها الصحية خالية أو بدأت تعاني نقصًا من الأطباء..جاء ذلك بعد أن خرج واستقال عدد ليس بالقليل من الأطباء العمانيين من المستشفيات الحكومية فتلقفتهم مستشفيات القطاع الخاص الذي تعمل فيه كوادر طبية غير عمانية..هذه الحال لها وجه إيجابي ووجه له تداعيات سيئة..الأول أن الأطباء العمانيين أخذوا حصتهم في مستشقيات القطاع الخاص التي حتما ستقدم رواتب وامتيازات جيدة لهم وبخاصة للأطباء ذوي المهارات العالية وهو امر حسن أن تزداد حصة العمانيين في هذا القطاع الذي يستحوذ عليه ممرضون وأطباء وصيادلة والتخصصات الطبية المساعدة فيه من غير العمانيين.
الجانب الثاني أن تستعين وزارة الصحة بخدمات الاطباء من الخارج وبأجور قد تكون أقل مما يحصل عليه الأطباء العمانيون وبذلك تعتقد وزارة الصحة ووزارة المالية أنهما قد وفرتا أموالًا جيدة من فروقات الرواتب فضربت عصفورين بحجر واحد كما يقال..قد يكون ذلك صحيحًا لكن الأمور لاتقرأ من زاوية واحدة وضيقة لماذا؟..الزيادة السكانية في البلاد ترتفع باستمرار وعمان من الدول ذات الخصوبة المرتفعة ومعدل المواليد في ازدياد والمستقبل يقول لنا إننا بحاجة إلى كوادر طبية وتمريضية مرتفعة فهل سنستمر بالاعتماد على السوق الخارجي لسد احتياجاتنا؟.. حتى الآن تقول الصور في المراكز والمستشفيات إن المخرجات التمريضية والطبية لا تكفي سواء للقطاع الصحي الحكومي أو لتسد النقص في القطاع الصحي الخاص الذي ينبغي كذلك أن ترتفع حصة العمانيين فيه على قاعدة استفادة السكان من الاستثمار بتوليد فرص عمل لهم ونحن بحاجة إلى رفعها..كانت مبررات قبول دخول كلية الطب يخضع للنسب التسعينية الخيالية لضمان الجودة والكفاءة وفي الجانب الأخر كان يراعي القدرة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية من المرافق والكوادر الأكاديمية والتي تتطلب عددًا كبيرًا إن كان عدد المقبولين مرتفعًا ..نسب القبول المرتفعة التي فرضت سابقا في التخصصات الطبية يمكن أن تطبق في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة وليس في بلد صغير يحوم عدد سكانه حول أقل من ثلاثة ملايين نسمة .هنا لابد لوزارة الصحة والمؤسسات ذات العلاقة من تحديث سياسة التعليم الطبي بزيادة المقبولين في المؤسسات التعليمية الصحية والطبية المختلفة وزيادة الاستيعاب في التخصصات التي يزداد الطلب فيها على العاملين من الخارج وإلا فإننا سنظل نعاني نقصًا مستمرًا في هذا القطاع كما هو الحال بوزارة التربية التي تعاني حاليًا من نقص بعض التخصصات بسبب ضغط استيعاب الطلاب وتزايدهم السنوي..ولايمنع ذلك تخصيص حصص مناسبة للمحافظات التي تعاني من هذا النقص فتوجيه الموارد للداخل هو أكثر القرارات أمانًا..وزيادة موازنة الدراسة في القطاعين الصحي والتعليم أكثر أهمية من إنشاء المتنزهات والملاهي ومرافق الرفاهية..هذه ليست أولويات وطنية ..الأولويات في رفع مخصصات التعليم الطبي والتدريسي للقطاعات التي تعاني فراغًا في الكوادر المحلية.