زنجبار.. تطواف في وجوه المدينة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٣/مايو/٢٠١٦ ٠١:٠٠ ص
زنجبار.. تطواف في وجوه المدينة

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

المطر الذي صافح صباحنا لم يكن كافياً لغسل بؤس الوجوه الغارقة في تناقضات تواجهها.. كل ذلك الجمال في الطبيعة لا يكفي البشر السائرين في دهاليز الفقر وضعف البنية الأساسية، وتلك الفنادق والمنتجعات التي يقال إنها تتجاوز الألفين لا تنعكس على وجه المدينة.

الطرقات الترابية بالحفر العميقة والبحيرات الصغيرة في الشوارع والمنازل البسيطة العاجزة عن إشعال قناديلها ليلا، حتى إذا حان المساء ارتدت عتمة المكان وواجهت قدرها الذي اعتادته كأنما هو الواقع العادي.

زنجبار التي يأتي إليها المستثمرون من شرق الأرض وغربها لا يصيب ندى ملايينهم سوى جيوبهم التي لم تعطِ لإنسان المكان ما يستحقه.. وبقي العربي/‏ العماني الكائن المريب في التجوال حيث القوى الجديدة/‏ القديمة تحاصره ليكف عن محبة مكان لا يشبه أية أمكنة أخرى وقد تجملت حاراتها بقصور السلاطين ومنازل الرعيل الذي أسس للحظة اندماج إنساني كأنه حدث البارحة.
كان بيت العجائب يدعو للعجب، لفرط فخامته قديما.. ولما عليه حاله اليوم، ككل التاريخ العماني الذي سار على هذا التراب منصهرا في الحجر والبشر، التقاء جعل من أرض القرنفل فتنة أمام التجار والمغامرين.
المحلات التجارية بدون لوحات كالتي نعرفها، والشوارع لا تشبه الشوارع، والحياة حكاية تتلى على مهل.. نراها في الوجوه المعروفة تطلب الرزق كفافا، وفي أقدام الصغار يجرون حفاة مبللين بالمطر ورمل البحر.. وشقاء العمر.. وآه من رمال البحر حيث تبدو بيضاء كصفحة نسي الماء أن يكتب عليها حكاية بعمق التفاصيل المنسية بين زمنين.. فصلت بينهما أزمنة.
ليس ببعيد القلعة بعمق التاريخ تصمد في وجه البحر والحكايات المختلفة حول مرجعيتها.. قالوا إنها برتغالية وقالوا إن المكان بقي على حاله كيوم غادره آخر السلاطين.. وسمعنا عن تداخلات السياسة وطبيعة الحكم المحلي حاليا ومحاولات تغيير ديموغرافية الجزيرة بما يضغط على الوجود العربي بموازاة تقديم ذلك الحضور، العماني بالطبع، على أنه تاريخ استعماري واسع من الاضطهاد.
في منطقة بوي جو بدت لي المتناقضات واسعة، قال رفيق الرحلة إن الصور تبدو معبرة عن واقعنا قبل عشرات السنين، حاراتنا وبيوتنا البسيطة، بيوت العمانيين الباقية من تلك الحقبة، والعمانيون الذين عادوا حاليا للاستمتاع باستعادة الطفولة وجمال المدينة في تجليها المدهش مع الطبيعة اخضرارا ومطرا.. أسسوا مطاعم ومنازل ومزارع.. إنما تبدو في سياق المكان مثل حالي إذ أستعيد ما هو خارج سياق التاريخ وشروطه الجديدة.
مررنا ببوابة سائلين عن مطعم ما فاكتشفنا أن وراء البوابة مكانا جميلا يمتد حتى البحر، وأكلات بها تلك النكهة المازجة بين العربية والإفريقية.. وإذ نغادر المكان كان صاحبه يلوح لنا بذات الابتسامة التي تشبه مذاق الطعام.. هو عماني.. بملامح أفريقية أنيقة.