وعد الشراء الإلكتروني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٣/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٥٨ ص
وعد الشراء الإلكتروني

يورن لومبورغ

الفساد من أخطر المشاكل التي يواجهها العالم اليوم. في أفريقيا، تشير التقديرات إلى أن ربع الناتج المحلي الإجمالي للقارة "عرضة للضياع بسبب الفساد كل عام". في أمريكا اللاتينية، يرى البنك الأمريكي للتنمية أن الفساد قد يكلف 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. وفي نظرة شاملة تستند إلى مسوحات الشركات والأسر، يقدر البنك الدولي التكلفة الإجمالية المباشرة للفساد بقيمة 1 تريليون دولار سنويا.
وقد أكد المجتمع الدولي مرارا وتكرارا عزمه القضاء على الفساد، وكان آخرها في العام الماضي، عندما اعتمدت الأمم المتحدة الأهداف الإنمائية المستدامة. وكما بين "إجماع كوبنهاغن"، وهو مركز الدراسات الذي أترأسه، لم تٌسفر سياسات النوايا الحسنة إلا على بعض النجاحات القليلة.
كما تناولت إحدى الدراسات 145 دولة قامت بإدخال إصلاحات مؤسساتية بدعم من البنك الدولي أو الوكالات المتبرعة الأخرى في الفترة ما بين 1998 و 2008، مبينة تحسن فعالية الحكومة في نصف البلدان. لكن مع الأسف، هذه الفعالية تفاقمت في النصف الآخر، مما يشير إلى عدم التأثير الكلي لهذه الإصلاحات.
لكن الآن لدينا بعض الأخبار الجيدة بالنسبة للتصدي للفساد: التدخل الذي يمكن أن يكون له تأثير كبير بتكلفة منخفضة بشكل مفاجئ.
في بنغلاديش، الدولة الثامنة من حيث الكثافة السكانية في العالم، عمل "إجماع كوبنهاغن" مع أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم، "براك" الشهيرة، وعشرات من خبراء الاقتصاد البنغلاديشيين والدوليين لتقديم أنجع الحلول للتحديات العديدة التي تواجهها البلاد. وتشمل هذه الحلول أفضل طوب الفرن لمعالجة تلوث الهواء في داكا، والمغذيات الدقيقة لمكافحة التقزم المنتشر، وزراعة أشجار المنغروف للحماية من الفيضانات، وعلاج السل بفعالية أكبر، وتحسين الخدمات لنصف مليون مهاجر للخارج كل عام.
ويقدر الاقتصاديون تكاليف كل سياسة، إلى جانب الفوائد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، من أجل إظهار الاستثمارات التي توفر أعلى العائدات. كما نجد أن منظمات التنمية الدولية تنفق 3 بليون دولار سنويا في بنغلاديش، لذلك فان معرفة مدى جودة كل استثمار مسألة ضرورية لتحديد أولويات المشاريع.
وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن بنغلاديش قد حققت تقدما مذهلا في السنوات الأخيرة، مع نمو الاقتصاد بنحو 6٪ سنويا في المتوسط، وانخفاض نسبة الفقر بمقدار النصف منذ عام 2000، إلا أن طموحها للوصول إلى منزلة الدخل المتوسط الأدنى بحلول عام 2021 يبقى صعب المنال. ومن أجل تحقيق ذلك، سوف يكون على بنغلاديش معالجة المشاكل التي لا تزال تحبط التنمية، وهذا يتطلب تركيزا حادا للغاية على أنجع الحلول.
وتنفق لبنغلاديش كل عام 9 بليون دولار (6٪ من الناتج المحلي الإجمالي) على المشتريات الحكومية - كل شيء من الطرق السريعة والجسور إلى المكاتب وأقلام الرصاص - والتي تبلغ حوالي ثلث الميزانية العامة. وهذه المشتريات معرضة للفساد علنا. كما أن الإجراءات المرهقة تبعد معظم المنافسين. وكما قال المقاول أشرفل علام: " إن شراء عدد كبير من مستندات المناقصة وتقديمها إلى الجهات الحكومية كان صعبا بالنسبة لي، ناهيك عن الفوز بأي عقود. لم أعد أهتم بالجري وراء مثل هذه العملية الطويلة". وأحيانا علاقات المقاولين السياسية تمكنهم من الفوز بالعروض أو عرقلة سير الآخرين. والنتيجة هي ارتفاع التكاليف لدافعي الضرائب والمتبرعين.
لكن الأبحاث الجديدة التي قام بها وحيد عبد الله، زميل باحث في معهد براك للإدارة والتنمية في دكا، تبين أن المشتريات الحكومية عن طريق السبل الالكترونية تحمل إمكانات هائلة. كما أن المشروع المستمر منذ عام 2008 والمدعم من قبل الحكومة الوطنية والبنك الدولي يوثق هذا الوعد.
وبحلول عام 2011، نفذت أربع وكالات من بنغلاديش والتي تمثل حوالي 10٪ من جميع المشتريات العامة عمليات الشراء عن الطريق الإلكتروني. وستزيد الطلبات على الانترنت من عدد العروض - وبالتالي ستخفض الأسعار. وبفضل العملية الجديدة، يساهم علام مرة أخرى: "الآن يمكنني تقديم طلبات على الانترنت، كما أستطيع فعل ذلك من المنزل إذا شئت دون أي متاعب أو تأثير أو عرقلة". ويؤدي نشر اسم الفائز و الثمن على الانترنت إلى الحد من المحسوبية..
وتَبين أن الشراء الالكتروني وسيلة رائعة للتصدي للفساد. وسنكون في حاجة إلى العديد من حلول ذكية أخرى للقضاء على هذه المشكلة، وسنحتاج حلولا أخرى لمواجهة التحديات الكبيرة التي لا تزال تؤرق بنغلاديش. وبما أن البحوث الاقتصادية قادرة على إظهار أذكى الحلول، سيكون بإمكانها مساعدة الجميع على الإنفاق بشكل أفضل.
بيورن لومبورغ مدير مركز إجماع كوبنهاغن، وأستاذ زائر في كلية كوبنهاغن لإدارة الأعمال.