بقلم : علي المطاعني
الكل تابع اغتيال الشهيدة شيرين أبوعاقلة من جانب جنود الإحتلال الإسرائيلي وهي تمارس دورها في كشف الحقيقة ونقلها للعالم عن القضية الفلسطينية ، وتابع أحرار العالم كيف أمست شيرين وزملاء المهنة هدفا لجنود الاحتلال بعد أن غدت وغدو مصدر القلق الدائم للدولة العبرية الفاشية.
بيد أن الحقيقة المرة تشير بل تقول وتؤكد أن شيرين ليست وحدها شهيدة الصحافة وشهيدة المهنة من ناحية عامة ، هناك الكثيرين يعانون من ويلاتها وإسقاطاتها على صيغة إضطهاد لا تخطئة عين ، وأن حرية التعبير المزعومة هي في الواقع شعارات ترفعها بعض الدول وعلى رأسها إسرائيل بطبيعة الحال لتوهم سكان الأرض بأنهم أتقياء وشرفاء ويحترمون القلم والمداد ، ثم يقفون وقارا للكلمة.
وما يحدث في الكثير من الدول هو حقيقة أن الكثير من الزملاء يقتلون ويسحلون معنويا ، ويظلون كالأشجار واقفة عندما تموت ، هذا النوع من القتل هو الأشنع والأشد نكالا من الموت الحسي لجهة أن فيه قدر هائل من النفاق والكذب، إذ يزعمون بان القتيل حي يرزق وهو كذلك ظاهريا ونظريا ، ولكنه وعمليا وميدانيا مقتول ومسفوك دمه منذ زمن طويل مضى ، الناس لايملكون القدرة على النظر إلى ماخلف الستارة التي يتكئ عليها مرغما ذاك القتيل ، فلو إتيح للناس قدرة النظر إلى ماخلفها لشاهدوا عجبا ، أسلحة نارية فتاكة مصوبة للرأس من الخلف وللظهر ، وكلها معمرة وعلى إستعداد لإطلاق النار إذا ما كتب أو قال غير الذي يُملى عليه بكره وعشيا.
مشاهد رسمناها بالكلمات تبعث على الأسى والأسف والخجل إزء السحق الممنهج لشعار حرية التعبير المزعوم ، وكل الذي يحدث يهدف لؤاد الحقيقة وإضطهاد حملة الأقلام الحرة وإذ كل جريمتهم أنهم ينشدون المصلحة العامة ، فهذا النوع من الإغتيال المعنوى يتخذ أشكالا عدة وصولا للوحة التي رسمناها أعلاه ، وبما أن الأرزاق خط أحمر لبنى الإنسان فإنهم يعمدون لقطع دابر أرزاق حملة الأقلام ، بإعتبار أن رائحة مداد أقلامهم كريهة هكذا يزعمون ، بينما ذات الرائحة يراها الناس في الشارع كالياسمين عبقا جزلا ، وياليت الأمر يقف عند قطع الأرزاق فقط فكل مصالحهم الشخصية والأسرية والإجتماعية ستصنف كأنشطة معادية للدولة.
أننا أمام منعطف خطير يتطلب متابعة هذا النوع من الإغتيالات على مستوى المعمورة فقد أمسى شائعا ومعروفا ومعترف به أمميا ولكن همسا ، ومع هذا فإن كل الأنظمة الإستبدادية في قارات العالم مافتئت تنفي عن نفسها هذا الجرم ، فهم لايملكون الشجاعة للإقرار بأن الحقيقة هي عدوهم الأول ، وأن هؤلاء القتلى يعمدون إلى نصبها في الميادين والساحات وهذا لايجوز في عرفهم.
لقد شهدنا جميعا تفاعل العالم الحر مع جريمة إستشهاد شيرين ، وما شكلته الواقعة من ضغوط هائلة على الكيان الصهيوني وعلى أمه أميركا ، تفاعل أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإلى السطح بعد أن كادت أن تطويها الأحداث الساخنة في أوروبا إضافة للإهمال العربي المتعمد وشبه المتعمد من جانب آخر ، كما أن إغتيالها خدم القضية الفلسطينية بنحو مباشر وبقدر يفوق قرارات الجامعة العربية وتنديد الدول وقلق الأمين العام للأمم المتحدة.
إن إغتيال شيرين لن يكون الحادث الجلل الأول ولن يكون الأخير أيضا سواء بالرصاص مباشرة أو بالوسائل إياها وفي كل الدول والمجتمعات.
في الواقع أن الإعلاميين وخاصة كُتاب الرأي يعانون أكثر من غيرهم من هكذا ممارسات فنجدهم في قلق دائم من المضايقات التي يواجهونها بسبب الكلمة وبسبب معضلة الحقيقة.
وعلى الصعيد المحلي فإن النظام الأساسي للدولة وفي المادة (35) من الفصل الثالث كفل حرية الرأي والتعبير بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير، كما أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أكد في خطاباته وكلماته السامية على حرية التعبير عن الرأي التي ترعاها دولة المؤسسات والقانون.
وبذلك فإن السلطنة أمنت على هذا المبدأ بنحو صريح وواضح ، بيد أن هناك من يسعى للتجديف عكس هذا التيار المحمود والمشكور، ولعل تراجع السلطنة 31 مركز في الحريات الإعلامية كما أعلن مؤخرا يعكس وجود خطأ ما في مكان ما يتعين البحث عنه وتحديده وتسميته ولنؤكد على ما نص عليه النظام الأساسي للدولة وعلى ما أكده جلالته في هذا الشأن.
بالطبع لا نقارن بين الإغتيال المادي بالرصاص الحي وبين الإغتيال المعنوى فكلاهما مفضى للتلاشي ، رغم أن الأول يتسم بالوحشية واللا إنسانية وكذلك الآخر ولكن بنحو أقل ، فعلى الأقل يمكن الزعم بأن المستهدف حي يرزق ، وبالتالي علينا تغيير فلسفتنا إزاء التعاطي مع هذه الأمور بالغة الحساسية ، وأن نتخذ الإفصاح والنزاهة والشفافية نهجا وطريقا وديدنا ، وأن علينا أن نوقن بأن التقدم والإرتقاء عبر سلم المجد لن يتأتي إلا بالحرية الإعلامية وحماية الصحفيين من كل الانتهاكات ايا كان نوعها فكلها تؤدي إلى الاغتيال.
نعزي أنفسنا كاعلاميين في إغتيال شيرين ، بيد أن إستشهادها كان الضريبة الأعلى على الإطلاق التي تدفع من أجل عيون الحقيقة ، ومن أجل أن يظل الرأي الحر والشريف والنظيف والعفيف والشفيف هو سيد الموقف وأمير الساحة أبد الدهر.