بقلم : محمد محمود عثمان
تسجل مؤشرات التافسية في أسواق العمل حالة ركود وتعتبرها السمة الظاهرة في يومنا هذا بعد جائحة كورونا والتى اتصلت سلبياتها بتأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية والمتغيرات الجيوسياسية، ما أدى إلى تقويض التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في كل المجتمعات، لأن أسواق العمل الجيدة لها انعكاساتها الإيجابية على مسارات التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يؤدي إلى إشكاليات في التعافي الاقتصادي المنشود في ظل عدم إمكانية وصول القطاع الخاص إلى الأسواق والمنافسة على قدم المساواة مع الشركات التي تديرها الحكومات أو تسيطر عليها اللوبيات الاقتصادية العالمية والإقليمية، التي تتحكم في توفير فرص العمل الجديدة، خاصة أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من أعلى معدلات التعطل بين الشباب في العالم، وما يصاحب ذلك من تدني أجور العمال وغياب التنظيمات والنقابات العمالية الفاعلة، التي لديها القدرة على تقديم الحلول الواقعية، ووضع سقف الأجور المناسب لتحقيق التقارب والتوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل في القطاع الخاص، بدون تهويل أو تهوين، الأمر الذي يساعد على انسياب العمل وتفادي المشاكل والعقبات التي تعوق إنتاجية العامل وزيادة الإنتاج بشكل عام، وحتى لا ينعكس ذلك سلبا على الاقتصاد الكلي، والغريب أن تتصدرقائمة مؤشر التافسية في أسواق العمل دول أوروبية هي النمسا وفنلندا وأيسلندا وسلوفاكيا، نظرا لتميزها في معيار حقوق العمال وأجورهم والرعاية العمالية والتزامهم بذلك تحت كل الظروف، والملفت أن تغيب عن مقدمة قائمة هذا المؤشر جميع أسواق العمل العربية، ومن المؤسف أن تأتي مصر في مرتبة متأخرة في القائمة، وهي أكبر دولة عربية واقدم دول المنطقة في إصدار تشريعات العمل والأقدم في وجود التنظيمات العمالية والنقابية، حيث أن التشريعات المصرية القديمة مسجلة على جدران المعابد منذ قبل الميلاد، وربما نجد بعض العذر لدول عربية أخري تحكمها قوانين ونظم بعيدة عن المعايير الدولية أو معاهدات واتفاقيات منظمة العمل الدولية، لأن البعض لازال متمسكا بنظام الكفيل الذي يهيمن ويتحكم في العامل وفي تعاملاته، وقد تصل إلى الحد من حريته في الحركة والسفروفرض القيود عليه بدون وجه حق، أو مساومة العامل على مستحقاته من الأجور والمميزات الذي تنظمها قوانين العمل، وقد يصل الأمر إلى تفشي ظاهرة المتاجرة في مأذونيات وتصاريح العمل، بل والإعلان عن ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك إغفال حق الأيد العاملة المهاجرة لأكثر من 4 أو ست سنوات متصلة في العمل في الحصول على الإقامات الدائمة، ومن ثم حق الحصول على الجنسية لم يرغب في ذلك، كما يحدث في الدول الآوربية، بما يساعد على استقطاب الخبرات الدولية والاحتفاظ بها لتضمن استقرار سوق العمل، لأن بعض التقارير الدولية، والمؤسسات الحقوقية العالمية، تعتبر إهمال هذه العناصر هو إهدار متعمد لحقوق الإنسان، بل وتتسمها بالعبودية أو الاتجار بالبشر، وقد تكون هذه التقارير مسيسة وموجهة لتشويه صورة أسواق العمل العربية التي تعج بالأيد العاملة الأجنبية من مختلف الجنسيات، من منطلق أن علاقة العمل يستفيد منها الطرفان ويجب ألا تعطى لصاحب العمل أي مزايا تخرج عن الالتزام ببنود عقدالعمل، وهذه من الممارسات التي تحتاج إلى حسم لتصحيح أداء أسواق العمل، وحرمان أصحاب تقارير المنافسة العالمية من أن تتخذ من هذه الممارسات ذريعة لتشويه الأسواق العربية - بل والحكومات العربية - في شتى المحافل العالمية المختلفة، لأن الأخطر هو ربطهم لذلك بأنه من وحي تعاليم الدين لزيادة في التشويه والتضليل، المقصود منه الإساءة للعرب والمسلمين باعتبارهم الأسوأ في معاملة العمال الأجانب، ثم ابتزاز هذه الدول والضغط عليها لتحقيق مصالح وأهداف الدول الكبرى في المنطقة حيث تستقي التقارير العالمية معلوماتها المتعلقة بالتنافسية من خلال الإحصائيات والنشرات التي تصدرها منظمات ومعاهد بحثية ومؤسسات محلية أودولية متخصصة - بعضها ليس فوق مستوى الشبهات - وعلينا أن ننتبه لذلك ونركزعلى رصد وتحليل واستعراض الأداء في الأسواق المحلية وتحسينه لتحسين التنافسية التي تعكس الجهود المبذولة في تطوير وتحسين التشريعات والقوانين المحلية والممارسات على أرض الواقع، لتتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، إذا أردنا تحسين مؤشرات التقاريرالدولية، بما يسهم في رفع التنافسية وتعزيز مكانتا العالمية، خاصة أن مؤشر سوق العمل وحماية حقوق العمال يعتبرمن أهم المؤشرات التي ترتبط بعمليات التنمية الاقتصادية لأنها من العوامل الأساسية في بناء قوة الاقتصاد وزيادة إنتاجية الدول وتقدمها.