بقلم : محمد بن علي البلوشي
لايوجد عماني يجهل ماذا تعني له شرق أفريقيا..ارتبطت بلادنا بها وهاجر إليها العمانيون واستقروا بها واتخذوها موطنا لهم ذات يوم ..درسناها عن ظهر قلب عن «الوجود العماني» على سواحلها وبرها وعن مراكبهم الراسية على شطآن السواحل الشرقية لأفريقيا وعن برها ومزارعها وعن قرنفلها وسلاطينها وعن كل شيء فيها.. نشر اجدادنا والدولة العمانية القائمة فيها الإسلام ومارسوا التجارة فاستفاد الجميع وعمرت الأرض وازدهرت الحياة وانتشل الاقتصاد والازدهار السكان من الفقر والمرض.. مثل هذه الجذور راسخة إلى يوم النشور..لن يمحوها التاريخ..فالوجود في هذه القارة راسخ وأثاره واضحة للعيان ولايمكن تغطيتها بغربال..بعد الأحداث آثر بعض السكان البقاء وعاد بعضهم إليها بعد المصالحة الذاتية..لم يستطيعوا المغادرة لأسباب عاطفية فهم امتداد لاجيال على تلك الأرض التي غرست قلوبهم فيها.الوجود كما نعلمه كان مركزه في زنجبار مركز السلطنة في الجزء الافريقي. الهجرات العمانية واكتشاف هذا الجزء الأفريقي بدأ منذ نحو ألف عام كما يشير المؤرخون من بدء اكتشاف العمانيين مجاهل القارة الافريقية فنزحوا اليها واستقروا وتوالدوا وتصاهروا وقيض الله ان يصبح لهم ملك وشأن هناك..لكن التاريخ لايعود..وليس هنا المكان لاجترار الماضي فقد اصبح ذلك جزء من الذاكرة العمانية لتلك البلدان.. لقد تجاوزناها وبقي الحنين والاستفادة من عبر التاريخ. زرت هذا الجزء قبل سنوات برفقة صديق قررنا أن نتلمس الأماكن كما لوا اننا في عمان..دون أن نتحول إلى سياح غرباء فكل شيء في المكان يشعرنا بأننا جزء منه وان لم نكن فيه من قبل فالجزء هو يسكننا بكل ماضيه وحاضره ضمن كل الوطن إضافة إلى الممالك الاخرى التي عاشت تحت مظلة الامبراطورية العمانية ذات وقت مضى. نزلنا في ستون تاون واستأجرنا منزلا للإقامة والمبيت فقد حول بعض العمانيين منازلهم نزلا لاستقبال السياح من عمانيين وعربا واجانب من القارات العالم المختلفة.الدهشة التي تنتابك بأنك لست غريب فأبناء الوطن يعيشون هناك وهم يرمقون لك بالسلام والابتسامة والترحيب.يجدون ذاتهم فيك وتجد ذاتك فيهم وفي شواهد وبقايا الامبراطورية من التراث المادي والمعنوي .مضينا بين الفرضاني والشامبا وهي المزارع التي باتت اليوم في معظمها منتجعات للسياح الأوروربين والقادمين من الغرب والشرق ليكتشفوا كنوز الجزيرة واثار الإمبراطورية التي تجذب السياح فبدونها لن يزورها احد فالسياحة تعتمد على ما خلفه العمانيون وشواهد الدولة العمانية في هذا الجزء من القارة. مضينا والتقينا بالناس وابنائهم ..كثيرون يتذكرون الماضي بحنين وأسى فهو أشبه بالملك المفقود وينقل الاباء لأبنائهم واحفادهم عن بلد كان ذات يوم يعج بصورة اخرى للحياة وسكنه أناس عاشوا ودفنوا في هذه الجزيرة.انتهى ذلك في حادثة يعرفها الكل. في اللقاءات التي اجريتها مع عدد من العمانيين المستقرين وهم يحملون جنسية البلد الحالي كشفت لي تلك اللقاءات عن ذاكرتهم عن الوطن ومسقط رأس طفولتهم حينما سافروا برفقة اهاليهم إلى شرق أفريقيا للبحث عن حياة جديدة بعد أن قست عليهم الحياة والمعيشة في عمان في تلك الحقب الزمنية..ذلك الحنين الذي بثه أولئك الناس لي حيث يتلمسون الخطوات إليه منبعه حاجتهم للإستقرار المعيشي والرعاية الصحية الجيدة فهم يضعون المقارنة وهي شاسعة حاليا بين «الشطرين». ذكرني ذلك بجنوب أفريقيا على الاقل فقط من حيث التواجد السكاني فجزء كبير من البيض اعتبروا انفهسم جزءا من ذلك البلد ولدوا وعاشوا على أرضه وبقوا فيه بفضل سياسة التسامح ونسيان الماضي التي انتهجها نيلسون مانديلا..وإلا لكانوا قتلوا وابيدوا عن بكرة أبيهم فيما لو قرر الانتقام..لكنه كان عاقلا وانسانيا عالميا بعد انهيار نظام الفصل العنصري البغيض.. العمانيون لم يمارسوا نظاما عنصريا بل انصهروا مع الناس حينما بدأت هجراتهم وانتشرت التجارة والرزق ونشروا الدين الاسلامي كما ذكرت لكم فأحبوا تعاملهم واقبلوا عليه..وهنا لاأميل للمطالبات التي من شأنها تفريغ الجزيرة من أهاليها الباقين كما يبث البعض الدعوات لعودة السكان ومنحهم الجواز..الجواز هو تذكرة سفر للعبور والعودة تعني قد تعني عدم التأقلم مع الإطار الثقافي والإجتماعي بينهم وبين أهاليهم هنا.. فالأهالي الباقون جذورهم هناك وجدت في ارض كانت ذات يوم تعج بإشعاع حضاري..الحقيقة أن المعيشة لاتقارن بعمان والرعاية الصحية والاجتماعية بينهما بون شاسع فيها.لكن ذلك لايعني أن نستحضر الحل اللحظي الجاهز وتجاهل مابعد ذلك...أن تواجدهم في ارضهم خير لهم لتستمر علاقتنا بتلك الارض حضاريا وهو مايجسد التعايش المشترك بين سكان الجزيرة. وعوضا عن تلك الدعوات لإعادتهم مثلا تستطيع في المقابل حكومة صاحب الجلالة السلطان المعظم وبماتملك من علاقات حسنة مع الدول الحالية وإدراك تلك الدول التي يتواجد فيها رعايا-مع أنهم مواطنون فيها- للدولة العمانية بالنوايا الحسنة والصادقة لعمان وعدم وجود مآرب اخرى مد يد العون لهم جنبا إلى جنب مع مواطنيهم كالخدمات الصحية والاقتصادية وفتح أفاق للعمل عبر مشروعات صغيرة ليستفيدوا من الجذب السياحي وبناء منازل لهم ليزداد استقرارهم ..ذلك سيؤدي لاستقرارهم أسريا ومعيشيا ممايمكنهم من تمسكهم بأرضهم وجذورهم.بدلا من محو كل ماض يجمعنا بها واهمهم البشر.