تحت ظلال بيت الساحل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٢٢ ص
تحت ظلال بيت الساحل

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

دخلت مطار زنجبار على وقع طرقات المفاجآت أمام عيني، كل ما حولي دال على مكان لم يدخل العصر الحديث بعد.. دخلت في زحام البحث عن الحقائب بين وجوه لونتها قارات عدة أرادت اكتشاف المدينة/ الجزيرة، لكن البدائية حاضرة وكأن شوارع المكان تتوق إلى زمن كانت فيه زنجبار لؤلؤة أفريقية تشد إليها رحال تتعدد بتعدد المقاصد.
رأيت في الحارات "مطرح" حيث الصور تأتينا عن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. كان التاريخ يمشي معي يلقي علي عباءته رغما عن حاضر أريد أن أراه دون ضغط الأمس متشكلا غشاوة على بصري وضبابية على بصيرتي.
البسطاء يسيرون على دراجاتهم الهوائية وأطفال يتراكضون خلف بؤس الحياة والطقس يرش عطره فلا تعرفه الأرض كما نعرفه.. واللون الأخضر يتبتل أمام نواظرنا فنعيد تلك النواظر صوب الأمس.. المهاجرون الذين عبروا البحر وجاؤوا.. جماعات تتبع أخرى، هذه المدينة لا تكف عن المطر بينما هناك بلادهم قاحلة والمجاعة تلاحقهم.. هنا الزعفران والقرنفل والأرض المرتوية بغيث لا ينقطع.
كان الوالد سليمان بن خلف الجابري يتكئ على ثمانينيات عمره ويقول إنه ولد هنا، واستقر منذ عام 1973 إماماً لمسجد السيد حمود بن سيف البوسعيدي زوج زمزم بنت السيد سعيد بن سلطان الذي أعيد ترميمه وكان شاهداً على مذبحة عام 1964.
وكانت قصيدة نزار قباني عن غرناطة تقف معي أمام بيت العجائب وتختال زهوا على شرفات بيت الساحل كأني أرى السيدة سالمة تترقب حضور والدها وترقب مجيء عمتها عزة بشخصيتها القوية تحافظ على المسافة بينها كزوجة من سلالة السيد السلطان وزوجاته الأخريات مما جادت به نساء الأرض.
استيقظ التاريخ أمامي كما رأيت في قصيدة نزار يقظة مؤلمة ألقتها الفتاة الغرناطية على فؤاده فسار خلف دليلته.. ووراءه التاريخ كوم رماد، وفق الوصف النزاري العميق.
ما أغرب التاريخ كيف أعادني لحفيدة سمراء من أحفادي.
لا تزهو القصور بدون حضور السلاطين ولا تجمل الشرفات حينما تغيب سيدات القصر وصباياه، كان بيت الساحل موغلا في ذاكرتي منذ أن تتبعت المصادر لأكتب روايتي السيد مر من هنا، وسألت دليل الرحلة عن بيت المتوني فقال إنه يبعد عدة كيلومترات عن هنا.
كانت جدران بيت الساحل خجلة تحت وطء سير الزمان على بياضها.. كأنما تعبت من التلويح للبحر أن يعود سيد البحر من رحلته الأخيرة.. لكن على مقربة منه ينام السيد سعيد في قبره.. ملتحفا بالمجد.
من خلف الباب المغلق أتسلل ببصري، معي نزار أيضا:
الزخرفات أكاد أسمع نبضها والزركشات على السقوف تنادي.
على الساحل كانت القوارب تمرح على حواف الماء كما يفعل الصغار والشباب.. كانت وجوه كثيرة تشبهنا، حتى صوت الأذان يرتفع من مسجد السيد حمود.. قريبا من البحر.. قريبا من القلب.