" الناتو" الحلف العجوز

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/مايو/٢٠١٦ ٠٠:١٦ ص
" الناتو" الحلف العجوز

فيكتور دافيس هانسن

أشعل دونالد ترامب مؤخرا جدلا آخر عندما قال إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد عفا عليه الزمن. وقد ألمح أن الحلف ربما لم يعد يستحق الاستثمار الأمريكي الضخم.
كما هو حال أسلوب ترامب النموذجي، فقد أثار هذا الكلام السخط والغضب، ولكنه بعد ذلك عرض بعض التفاصيل حول عواقب البقاء في الناتو وعواقب الخروج منه.
بالتأكيد لم يعد حلف الناتو موجها نحو إبعاد الجيش السوفييتي البري الضخم عن غرب أوروبا الديمقراطية، كما كان هدفه في عام 1949.
لقد ظل الحلف يتوسع بدون حكمة أكثر من دوله الأعضاء الأصليين البالغ عددهم 12 دولة ليضم 28 دولة، مستوعبا بذلك العديد من دول حلف وارسو الشيوعي القديم وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ربما كان هدف الناتو جيدا في توفير الأمن لهؤلاء الأعضاء الجدد الضعفاء، ولكنه من الصعب تصور أن يموت البلجيكيون والإيطاليون في ساحة المعركة لإخراج قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ليتوانيا وأستونيا.
إن تعهدات حلف الناتو لكثير من المشاركين الجدد فيه لا تختلف من حيث إمكانية تصديقها عن الضمانات الخطابية البريطانية والفرنسية في أغسطس من العام 1939 بحماية بولندا البعيدة عنهما من جيرانها النازيين والسوفييت.
ليس هناك أي عضو من أعضاء حلف الناتو طوال الحرب الباردة التي استمرت 40 عاما أثار المادة الرابعة من معاهدة الحلف التي تتطلب قيام العضو الذي يفترض أنه واقع تحت التهديد بالتشاور مع الحلف بالكامل. الجدير بالذكر أن تركيا استدعت هذه المادة أربع مرات منذ عام 2003.
إن فكرة أن أوروبا الغربية، التي تعاني من الإرهاب والتطرف والهجرة غير المقيدة من منطقة الشرق الأوسط التي مزقتها الحروب، من شأنها أن تتعهد بتقديم دعمها العسكري لأجندات ونزاعات نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هي ضرب من الخيال.
وعدد قليل فقط من أعضاء حلف الناتو هم الذين يحققون هدف الحلف المتمثل في استثمار 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق الدفاعي. وفي المقابل، تتوقع أوروبا الاشتراكية من الولايات المتحدة أن تتحمل معظم الأعباء المالية والعسكرية لحلف الناتو.
إن أوروبا يُنظر إليها على نحو متزايد على أنها عاجزة أمام التطرف والإرهاب وغير قادرة على وقف جحافل الهجرة من منطقة الشرق الأوسط التي مزقتها الحروب. كما ينظر إليها أيضا على أنها هدف سمين للأنظمة غير المستقرة (والنووية).
في بعض الأحيان يزيد الأوروبيون الطين بلة، حيث يعوّلون على دعم الولايات المتحدة في المساعدة على تقليص تكاليف الدفاع من أجل تمويل استحقاقات اشتراكية – حتى وهم يسخرون من أمريكا بوصفها القوى العظمى المفرطة في العسكرة.
إن استخدام قوات الناتو خارج أوروبا لم يكن دائما مثمرا. لقد كان مفيدا في صربيا، وذا فائدة محل شك في أفغانستان، وكارثي تماما في ليبيا.
إذن، هل ترامب محق في أننا ينبغي أن نترك الناتو يفشل ثم ينتهي؟ وهل البديل المتمثل في مستقبل بدون الناتو هو الأفضل من حاضر مع وجود الناتو بكل عيوبه وتكاليفه؟
بقدر ما تتغير الأشياء، بقدر ما تبقى كما هي على حالها. قال اللورد إيسمي، أول أمين عام لحلف الناتو، إن الحلف تأسس من أجل "إخراج الروس، وإدخال الأمريكيين، وإسقاط الألمان".
وقد انهار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت ألمانيا الآن في الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأوروبي به عدد سكان واقتصاد أكبر من الولايات المتحدة. ولكن روسيا بوتين مازالت نووية وعدوانية. إنها تتوسع في أي مكان تستشعر ضعفه. ومازالت ألمانيا تكتسب شكوكا في أوروبا، سواء بسبب سياسات المستشارة أنجيلا ميركل المدمرة المتعلقة بالهجرة أو بسبب الممارسة غير الحكيمة التي تمارسها البنوك الألمانية الغنية في الإقراض المتهور لدول البحر المتوسط المفلسة. إن الاتحاد الأوروبي لم ينجح أبدا في توحيد دوله المختلفة في شيء متماسك وعلى غرار الولايات الفردية الأمريكية.
بإيجاز، إن روسيا عندما تكون قوية لابد من مراقبتها دائما؛ وألمانيا عندما تكون ديناميكية وعنيدة لابد دائما من دمجها في نوع ما من التحالف العسكري؛ والولايات المتحدة سيكون لها دائما اهتمام ذاتي طبيعي بمنع الأوروبيين بشكل استباقي من قتل بعضهم البعض.
إن الغرب يقع تحت الهجوم بشكل متزايد، فهو هدف للإرهاب والتطرف، وهو يفقد وسائل الردع مع روسيا والصين، وتنظر إليه أنظمة مارقة مثل إيران وكوريا الشمالية على أنه ضعيف.
ليست المسألة هل مازال الناتو مفيدا أم لا، ولكنها هل يستطيع الحلف إصلاح نفسه قبل أن ينهار؟
يجب أن يتوقف الناتو عن النمو. لماذا يقدم الحلف ضمانات لدول لن يحميها في الواقع – دول من شأنها أن تصبح فقط خطوطا حمراء لأعداء شرسين يرغبون في إذلال وفك الحلف؟ يتعين على الناتو أن يكون حذرا من استخدام قواته خارج أوروبا ويتعين عليه في بدلا من ذلك الاستعانة بمصادر خارجية لحفظ السلام في الدول الأعضاء التي تتصرف من تلقاء نفسها.
كما يجب تحذير تركيا ودول أعضاء أخرى في الحلف أن الاستبداد والأسلمة يتعارضان مع مبادئ الناتو وهي أسباب للطرد منه.
إن زيادة الإنفاق العسكر الأوروبي لن تحافظ على الولايات المتحدة في الحلف فحسب، بل إنها أيضا ستحمي الأوروبيين أنفسهم، الذين يفتقرون إلى مصد حماية المحيطين الذي تتمتع به الولايات المتحدة.
لقد أصبحت الدول الدستورية ذات التقاليد المشتركة المتمثلة في حرية الفرد والنقد الذاتي وتقبل الرأي المخالف والاختلاف نادرة الوجود هذه الأيام. وبدون قوة عسكرية مشتركة وتعاون، فإننا إما سننتهي جميعا معا، أو ننتهي كل دولة على حدة.

مؤرخ في معهد هوفر بجامعة ستانفورد.