هندسة الظلم

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٥٧ م
هندسة الظلم

لميس ضيف
سأروي لكــــم اليوم مــوقفا مازال عالـــقا في ذاكرتي رغم مــرور زهاء الـ15 عاما عليه، موقف يشرح لكم «آلية الظلم» وهندسته المعقدة.

كنت يومها متدربة مبتدئة في صحيفة مكلفةً بكتابة موضوع متعلق بإدارة حكومية بعد أن أخبرتني موظفة هناك عن وجود تجاوزات متعلقة بالسلامة، طلبت من الساعي الكهل السماح لي بالدخول فسمح لي دون سؤالي عن وجود تصريح من عدمه وهو ما أسعدني وسـهل مهمتي المتمثلة بالتصوير ورصد الحقيقة.
اقتحم أحدهم المكان فجأة وشرع في نهر الساعي العجوز بطريقة مهينة حتى كاد العجوز أن يبكي، أشفقت لحاله ولكني كنت أضعف – وقتها – من أن أتدخل وأذود عن هذا الرجل المسكين.
قضيت يومي وليلتي أعيد أحيك - في خيالي- ســناريوهات مختلفة لما كنت أود قوله لهذا الموظف المتعجــرف، في اليوم التالي طلبت من الموظــفة أن تدلني على بيت هذا العجوز لأعتذر منه وأعرض عليه الشكوى على هذا الموظف ورجوتها أن ترافقني.
دخلنا بيتا متهالكا من طابقين وقت العصر وكنا نسمع صراخا هيستريا مخيفا من بعيد، رأينا أمامنا فتاة منكســرة وطلبنا منها أن تنادي أباها وبدا عليها الخوف، وخلال لحظة رمقت الساعي المسكين ذاته وهو يضرب زوجته ويرميها بأبريق ماء زجاجي لأن الماء – على ما يبدو – لم يكن بارداً.
كان صوت صراخه المسعور ونظرات الخوف على أبنته وصدى تهشم الأبريق الزجاجي على الأرض الإسمنتية أكثر من الاحتمال فانسحبنا قبل أن نكلمه، وعندما خرجنا وأخذنا نتبادل النظرات المنزعجة سمعنا أحد المارة يقول لصاحبه: هذا حاله كل يوم يكفخ «يصفع باللهجة الدارجة» في هالفقيرة!
صورة الرجل وهو يُهان بلا إنسانية من موظف أرفع منه، وصورة الخوف في عيني أبنته وهو يقرع أمها ويضربها بعنف يصل صداه للجيران، وجهان لمرآة الظلم وكرة الثلج الكبيرة المسماة في الثقافات الشرقية بـالكارما كناية عن دوران القدر، فكما تُدين تُدان وكما تكونوا يولى عليكم والدنيا سلف ودين أيضا.
في أمثالنا الشعبية نقول «الله لا يضرب بعصا» تعبيرا بإن الانتقام الإلهي يأتي بصور غير مباشرة وخفيه، لذا نقول لمن تقسو عليه الحياة ويجافيه الحظ تلفت جيدا وراجع نفسك؛ فقد تكون تلك عاقبة إلهية لظلمك على ضعيف حولك – زوجة أو أطفال بل وحتى خادمة – ونقول لمن يتعجب من تكالب اللؤماء عليه: راجع نفسك .. فقد تكون لئيما والطيور على أشكالها تقع.
كن من الأخيار سيضيء الله طريقك بمن هم على شاكلتك، ولا تبطر ولا تتجبر على أحد أنك عندها لن تسلم من تسلط متجبر آخر عليك.

lameesdhaif@gmail.com