بقلم: خالد عرابي
حدثني مؤخرا أحد الأشخاص عما يمر به وعن أجواء العمل في مؤسسته، وأنه يعاني من مناخ سلبي وذلك نتيجة الأجواء العامة منذ أزمة (كوفيد-19)، وأنه ما أن يدخل إلى مقر عمله إلا ويشعر بحالة من الملل وجو عام من الاحباط، لأنه عندما يصل إلى مكتبه يجد أن الجميع في حالة ضيق وأن البعض يتضجر أو يتألم أو يشكو ومن ثم يسود مناخ سلبي في المكان من حيث الضيق والضجر وحتى عدم الرضا، وهو ما يجعله لا يتمكن من أداء عمله جيدا، بل ولدرجة أنه يقول أنه عندما يصل إلى مقر عمله في بعض الأحيان يبقى في سيارته أسفل "مكان الدوام" ولا يرغب في الصعود إليه لفترة قد تصل إلى ساعة في بعض الأحيان، لأنه لا يحب المناخ العام أو جو العمل السائد في هذا المكان.
بالطبع قد يحدث ذلك فالشخص بطبعه ابن بيئته، وما يحيط به من ظروف، وما يعيشه من أحوال هي التي تشكل حالته المزاجية ومنها النفسية والصحية وحتى الحالة العامة له، وبكل تأكيد أن ما مررنا به جميعا خلال العامين الماضيين ليس بقليل وأن هذه أقل تأثيراته، ولكن علينا أن ندرك أنه في المقابل هناك قاعدة أهم وهي أن مثل هذه المناخات إذا ترك الفرد نفسه لها فإنه ستؤثر وتسيطر عليه، وهنا استشعد على ذلك بمقطع فيديو شاهدته كثيرا ومرارا واعتقد أنه شاهده الكثيرون لأنه انتشر على وسائل التواصل مرارا..
فقد وصلني مقطع الفيديو هذا، وهو يصور مجموعة من الأشخاص يستقلون حافلة نقل عام، وفجأة ضحك أحد الركاب بها فبدأ شخص ثاني يضحك ومن ثم ثالث ورابع وخامس وهكذا حتى أصبح جميع من بالحافلة يضحكون في وقت واحد دون أن يعرف أحدهم السر أو سبب هذا الضحك.. إذا هذا هو الموقف ولكن ماذا يعني ذلك؟
بالطبع يعني ذلك أن ما حدث هو انتقال الضحك بين الجميع أو ما نستطيع أن نطلق عليه "عدوى الضحك" وهذا في أبسط معانيه أنه يمكن للضحك أن ينتقل بالعدوى، وكذلك يمكن للحزن والكآبة أن تنتقل بالعدوى أيضا..
لقد أصبحت قصة أجواء ومناخات العمل تتكرر وهي ربما ليست حديثة، فهي قديمة - حديثة وقد تحدث في أماكن عمل كثيرة، بل ومرتبطة بوجود بعض الأشخاص في بعض الأماكن، وأنه يمكن لشخص واحد أن ينشر في مكان ما أجواء السعادة والفرحة والبهجة، أو ينشر حتى أجواء الحزن والكآبة والضيق والضجر، وهذا وإن كان عمليا وعلميا ومنطقيا أعتقد أنه جد صحيح، إلا أنني أيضا في المقابل سمعته من أشخاص كثر وحتى متخصصون علميا فقد قرأت مؤخرا أن إحدى أساتذة علم النفس تكتب على صفحتها الشخصية على فيسبوك تقول: "هناك بعض الأشخاص الذين إن كانوا فرحين فإنك تجدهم يملئون الدنيا فرحا،ً ويضللون على الآخرين من حولهم الفرح ومن ثم تجد جو الفرح والمرح يسود الجميع"، وأنا أرى أن هذا الكلام نظريا وعلميا جد صحيح حيث أنه من المعروف وطبقا لأبسط قواعد علم النفس أن الحالة النفسية والمزاجية لشخص أو مجموعة ما قد تنعكس بكل سهولة ويسر على من هم حوله.. وقد أكد ذلك ما أكملته هذه الطبيبة النفسية هلى حسابها،حيث قالت: " وهناك بعض الناس أيضا حينما يكونوا مخترقين – على حد وصفها - أو عندما يكونوا في حالة من الضيق أو لأي سبب آخر فإنهم يختفون عن الآخرين وذلك حتى لا يعكسوا عليهم جو الضيق والنكد الذي يشعرون به ......"، وهذا معناه أن هؤلاء لا يريدون أن ينقلوا حالتهم المزاجية إلى الآخرين.
وهنا أقول أن مثل هذا الفعل السابق يمكن أن نصفه بصفاء السريرة، وعلينا أن نتأمل مرة ثانية وثالثة في مثل هذا الكلام ولنتأمل في أنفسنا وفي سلوكياتنا اليومية وهل نحن ممن ينشرون الفرح والسعادة أم ممن ينشرون الحزن والكآبة والتوتر والضيق.
من ملاحظاتي الشخصية وبعد قراءتي لهذا الكلام وجدت أن كثير منا من النوع الثاني ممن ينشرون الحزن والكآبة والتوتر، كما وجدت أنه في أحيان كثيرة ما تكون في العمل فتجد حولك من ينفخ من الضيق والضجر، وهنا تجد نفسك لا إراديا ينتقل إليك نوع من هذا الضيق والضجر فتنفخ أيضا.
كما وجدت أنه في أحيان أخرى يكون كل منا مشغول طوال اليوم بعمله - وهذا جيد بل وممتاز- ولكن ما ليس بجيد هو أن الواحد منا مجرد أن تواجهه مشكلة بسيطة أو تافهة في العمل أو حتى مشكلة شخصية أو خبر لا يسره فإنه "ينفخ ويتضجر " و ربما يخبط كف بكف إلى غيرها من تلك الأفعال والتصرفات التي تهييج من حوله وتشعرهم بنوع من القلق والضيق أيضا خاصة وأن كل واحد (فيه ما يكفيه) فربما به من الضيق والهموم أكثر منك.. بل والكارثة والطامة الكبرى أن البعض ينقل مثل هذه الأجواء إلى بيته فيملئه ويخلق بين بيته وأولاده حالة عامة من التوتر والضيق والكآبة.
وهنا أقول لماذا لا نستمع إلى تلك الكلمات الجميلة التي قالتها طبيبة نفسية وهي أننا في حال السعادة والفرح لا ضير من أن نعلن عن فرحتنا ونظهرها وننشرها بين الآخرين وبذلك نكون ممن ينشرون الفرح والسعادة على من حولنا، أي من النوع الأول.. بينما إذا مسنا قلق أو ضجر أو ضيق -لا قدر الله- فلماذا لا نحاول أن نخفيه عن الآخرين، وإن كان صعب وهذا هو الأقرب فلماذا لا ننسحب أو نبتعد قليلا عن محيط من حولنا و نفرغ هذا الغضب والضيق باي طريقة كأن نتحدث مع صديق أو نتذكر شيء مفرح أو على الأقل نغيير جو القلق المسيطر علينا وحالتنا المزاجية، ثم نعود وهنا إن لم نتمكن من نشر الفرح والسعادة على من حولنا.. نكون على أقل تقدير لسنا ممن ينشرون الحزن والضيق والكآبة على الآخرين .. جعلنا الله وأياكم ممن ينشرون الفرح على من حولهم، ومن البعيدين عن الحزن والضيق والكآبة.