حساب الري بالأفلاج.. ثراء معرفي متوارث لأبناء قرى جنوب الشرقية

بلادنا الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠٢٢ ١٢:٠٧ م
حساب الري بالأفلاج.. ثراء معرفي متوارث لأبناء قرى جنوب الشرقية

الشبيبة - العمانية 

 لا يزال حساب الري بالأفلاج في سلطنة عُمان أمر بالغ التعقيد لمن لا يدرك تفاصيله، هذا الأمر الذي جاء ممتدا منذ مئات السنين، فهناك من يراه الأدق في توزيع النصيب الأوفر لكل مزرعة من المياه.

وفي ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية هناك قرى تلتزم بتلك الحسابات وتسمى محليا بـ/الأثر/، وغيرها من حسابات النجوم، فقرية حَلمْ في وادي بني جابر لها طريقتها الخاصة عن قرية حُوْل في الوادي ذاته، أما قرية عدّه بوادي المنقال فلها طريقتها الخاصة في تقديم الحسابات أيضا، وهذا يشكل ثراء معرفيا متوارثا لأبناء بعض قرى محافظة جنوب الشرقية.

يقول محمد بن خلفان الشعيبي أحد سكان قرية "عدّه" منذ زمن بعيد جدا، ونحن نرث هذه الطريقة أبًا عن جد، فقد تعلمنا منها كيف لنا أن نقسّم مياه قريتنا بكل سهولة ويسر،.

ويضيف الشعيبي: تعتمد القرية على المياه الآتية من خلال فلج /الخزايني/، وتنقسم مزارع القرية في جهتين جنوب وشمال، ويتمثل تقسيم الماء بين أهالي القرية من خلال حساب /الأثر/، فهناك /أثر ماء/ يصل بوقته إلى نصف ساعة تقريبا، يزيد وينقص أيضا، تماشيا مع قصر أو طول الليل والنهار، وتماشيا مع شروق الشمس وغروبها، ويفند الحساب من خلال "حصى"، متعارف عليه في القرية ويطلق عليها "حصاة ظهر"، وحصاة خمس" و "حصاة غز" وهكذا.

وبين الشعيبي أن القرية يبدأ حسابها بالنجوم وبطريقة تتوافق مع الحساب بالأثر ومن خلال مسميات متعارف عليها مثل "الحيمر" و "الزهرة" و "الطير" مشيرا إلى أن تلك الحسابات حفظت للناس حقوقها ولا تزال متبعة ومتوارثة لدى الأجيال، وعلى الرغم من الظروف التي تمر بالقرية من تغيرات مناخية، إلا أن الفلج لا يزال صامدا ولأكثر من 300 سنة تقريبا، وقد مر بتحديثات كثيرة إلا أن أصبح على حاله الحالي.

في السياق ذاته يتحدث مسعود بن جمعة الصلتي عن طريق حساب الماء في قرية /حَلمْ/، بوادي بني جابر وهنا يشير إلى أن القرية لا تزال تحافظ على تراثها العريق في طريقة توزيع حصص مياه الأفلاج وهي فلج /شيذاني/ وفلج /أبوبلوله/، ويقوم التوزيع في أساسه على /آثار/ موزعة بين حسبة النجوم بالليل والتي يبلغ عددها 24 نجما وحسبة .

ويضيف الصلتي: إذا أردنا توزيع آثار الماء في اليوم والليلة فهي تبلغ 48 أثرا، نصفها بالليل ونصفها الآخر بالنهار، وبالعودة إلى حسبة النجوم الـ24 كما ذكرنا سابقا فيتم اعتمادها بتعاقبها واحدا تلو الآخر وهي متفاوتة من حيث مدة مكوثها في عدد الأيام وزمن بقائها في السماء، فمنها ما يستمر ساعة وعشرين دقيقة مثل ( النجم) ومنها لا يزيد على خمس وثلاثين دقيقة.

أما حساب النهار فذكر الصلتي أن الحساب يبدأ /باللواح/ يليه /ثآرین/ ثم /ثلاثة آثار/ وهكذا، ويتم توزيع الماء بين المزارعين على نطاقات معينة لها مسميات معروفة على سبيل المثال /ياد صغير ویاد كبير/، تكون موزعة على أيام الأسبوع، فأيام الياد الأول: (على سبيل المثال) هي : ابن عبدالله - ابن حمد - بو بكر - غبريين – ابن جاد – ابن سلمان، وهكذا، وتختلف الحسبة، كذلك فمنها يتكرر كل ستة أيام ومنها كل اثنا عشر يوما، وبعض 24 أو 36 يوما حسب التوزيع العام المتفق عليه، وينطبق هذا الأمر كذلك على حسبة النجوم ليلا الذي يبدأ وقت الغروب (غروبي)، ثم يأتي بعده ثارين أول الليل بعده ثلاث أول الليل، وهكذا مرورا بمنتصف الليل (نصف ليلة) بعده يتم الحساب على أنه آخر الليل (احدى عشر فعشر)، وهكذا حتى طلوع الفجر من اليوم التالي ( اللواح) .

ويشير الصلتي إلى صعوبة حفظ هذا الحساب للأفلاج في قرية حَلمْ على سبيل المثال، إلا أن هناك عددا من شباب القرية استطاعوا تسجيل هذه الحسابات عن ظهر قلب ومنهم من قام بالعمل على توثيقها ورقيًا وإلكترونيا.

في الإطار ذاته يقول مسعود بن مسلم الدروشي، أحد سكان قرية حُوْل: فلج /العلكمي/، الذي يعد من أهم أفلاج القرية، هو فلج عَيني ينبع من عين يصل عُمقها إلى 10 أمتار، ولا نستطيع الجزم كم هو عُمر الفلج، لربما من مئات السنين.

ويضيف الدروشي: للفلج عدة حسابات في قسمة المياه، فهناك /النهاري/، ووضِعت لَهُ علامات في التلال والجبال وبعض الأشجار، ويبدأ قبل شروق الشمس بقليل وهذا يسمي /لُوَاحْ/، بالإضافة إلى /ربع أول النهار/، وهو عبارة عن علامتين صخريتين شتوية وصَيْفيّة. و/نصف النهار/ ولَه علامةً واحدة فقط وهي عبارة عن شجرة أيضًا في جبل شرق منازل القرية و/ربـع آخر النهار/، ووضعت له علامة في أعلى صخرة تحاذي الجبل المعروف عند أهل القرية بجبل /الشِّغَةْ/، تلك العلامات تتداول لسقي النخيل التي يرويها الفلج المذكور أعلاه.

ويشير مسعود الدروشي إلى أن تقسيم الوقت الليلي يبدأ من بعد غروب الشمس، من الجبال المحيطة بالبلدة، وعلامته رأس جبل يدعى /لُثَيَبهْ/ وهو شمال شرق قرية (صفْن) بوادي بني جابر، ويجمع مكان يسمى محليًا بـ/الجابية/، جُعِلَ مقاسها 12 ساعة، والساعةُ عن /أثَرين/ من الماء، ومجموعها ٢٤ /أثراً/ وضِعَت علاماتها بداخلها، ويبقى الماء فيها حتى طلوع الفجر فإن كان الماء المُجمّعُ لسقي مزرعة أو عدة مزارع حسب الجدول المتعارف عليه مع أهالي القرية.