بقلم : علي المطاعني
تبذل الحكومة ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسكمية والمائية جهودا طيبة في صيانة الأفلاج كأحد مكونات النظام الزراعي التقليدي التراثي في البلاد ، إيمانا منها بأهميتها كأحد أنظمة الري الضاربة بجذورها في أعماق القِدم ولإستدامتها لري المزارع والنخيل الموجودة منذ آلاف السنين في البلاد .
إلا أن إجراءات صيانة بعض الأفلاج للأسف بدأت تخل بأنظمة الأفلاج وسننها ومساراتها المعروفة ، وتشوه معالمها كشرايين حياة تتدفق في بانوراما زاهية تبهج النفس ، وتسر الناظرين ، وتسقي الزرع والضرع ، ويتوضأ منها المصلون في طريقهم للمساجد التي تقام على ضفاف الأفلاج عادة وهي بمثابة الأنهار هنا ، ويتزود منها عابرو السبيل ماء عذبا يحتاجونه في حلهم وترحالهم .
الأمر الذي يتطلب من الوزارة التدقيق والتحقيق في آلية صيانة الأفلاج بحيث لا تحدث أي أضرار تذكر بالمستفيدين منها في القرى والأمكنة التي تمر بها ومنها ، ولا تخل بما كانت منذ أن وجدت .
فبلاشك أن الكل يعلم بأن الأفلاج هي أنهار الله في أرض عُمان يورد منها الجميع بدون استثناء ، عبر أنظمة مياه معقدة ومعروفة ومحطات تسمى بالفرض تقام في العادة أمام المساجد يرتوي منها العطشان ويشرب منها الحيوان والزرع على حوائر الأفلاج التي تخصص في العادة كوقف للافلاج ذاتها وغيرها من الأمور ، إلا أنه وعندما تأتي الصيانة على كل ذلك وتلغي هذه المعالم وتحرم الجميع من الإستفادة من مياه الأفلاج وتحولها إلى أنابيب أسمنتية مغلقة بأعماق بالمترات ، فإنها بهذه الممارسات تخل بماهية وكينونة الأفلاج وأهميتها وتحرم شرائح واسعة من المجتمع منها على غير العادة .
فالحضارات ومنذ بدء الخليقة قامت إتكاء على الأفلاج والأنهار والبحار، فأينما وجدت المياه وجدت الحياة ، تلك سنة الله في الأرض ، والموروثات والكثير من الكتب العُمانية حددت مسارات الأفلاج والمحطات التي تتوقف عندها كـ (الشريعة) أي المكان التي يتاح فيه الشرب والإغتسال للعامة والوضوء والاستحمام وغيرها من الاستخدامات .
وعندما تأتي صيانة الأفلاج على الأخضر واليابس وعلى كل هذا الإرث التليد بدون مراعاة كل تلك الحقائق ، فإنها تنسف الكثير من سنن الأفلاج وقواعدها وأهميتها للعامة ، عبر إقامة تلك الكتل الأسمنتية المغلقة الخالية من أي منافذ تتيح الإستفادة المباشرة منها لفائدة خلق الله سيما للوضوء خاصة وأن بعض القرى واقعة على مجاري الأفلاج وبعض مزارع النخيل فيها ممرات وشوارع تتقاطع مع ممرات الأفلاج ، فحرمانها من مياه الأفلاج التي اعتادوا عليها فيه الكثير من التجاوزات على الحقوق التي يجب أن يُعاد فيها النظر بحيث تبقى كل الأمكنة التي ينفذ منها الناس لمياه الأفلاج كما كانت ولكل الأغراض غير السقي الذي تنظمه القواعد والسنن الموروثة .
والذي نعرفه ان صيانة الأفلاج في العادة تتم في أمهات الأفلاج ومنابعها لضمان تدفق المياه وإصلاح القنوات المعطلة جراء الأودية الى غير ذلك ، إلا أن بعض الصيانات تبدو أشبه بالديكورات ، وهذه الجزئية تحتاج لوقفة والتحقيق فيها من جانب الوزارة ، فكيف تتم صيانة لمسار بعيدا عن أم الفلج ، وفي ذلك هدم حداثي للعديد من القيم التي إستند عليها الناس في قضاء حوائجهم.
فصيانة الأفلاج بهذه الشكل يعد هدرا للمال العام ومن خلال ذلك يبرز سؤال عما إذا كانت الوزارة قد إطلعت وأجازت مسارات الصيانة ونمط ونوع الترميم والتيقن من أن هذا الإجراء لم يمس الأفلاج شكلا ومضمونا قبل التنفيذ أم لا.
وبالقطع فإن تكلفة الصيانة الأسمنتية بهذا النحو عالية دون شك ، وكان من الممكن أن تصان بها عشرات الأفلاج وبالنحو المعروف سابقا والذي كان فاعلا حياتيا وإجتماعيا عبر الأزمان.
كما أن الحقيقة الأولى بالرعاية والإحترام هي أن الأفلاج ليست مسارات مياه فقط بل هي إرث حضاري تليد ، ويعد أحد أهم المورثات التي يتطلب أن تبقى مزارات سياحية في ولايات السلطنة ، ولكن عندما تلغي معالمها عن بكرة أبيها وتتحول إلى كتل اسمنتية ، فإننا نلغي وبجرة قلم ركن أصيل من أركان التراث والسياحة يجب إستثماره بشكل أفضل من خلال المحافظة عليه كما كان مبهرا للسياح ومثارا لإعجابهم وإذ هم يلتقطون الصور معه كإرث عُماني خالد وفريد.
نأمل من الوزارة أن تعيد النظر في كيفية وآلية إصلاح وصيانة الأفلاج بشكل جذري وأن تنأى بنفسها عن هذا التوجه الذي يلغي دور الأفلاج كمنظومة وكهندسة ري عُمانية صرفة كانت وستظل مثار إعجاب وتقدير كل خبراء وعلماء الري في العالم.
وأن تبقى على نمطها التقليدي إذ هي منفتحة على الأهالي أخذا وعطاء يتناغمون معها ليل نهار في سقياهم وعباداتهم ، وإلغاء أي محاولة لتحويلها لأنابيب خرسانية تهيل التراب على دورها الاجتماعي واسمها المعروف منذ آلاف السنين.