بقلم : محمد بن علي البلوشي
قصة الصوت تمر بمنحنيات ومنعطفات ضمن سياقات استخدامها ..الزعماء والنضاليون والمنفيون والنقابيون والحركيون والشعبويون والطليعيون والتقدميون والكذابون والبلهاء والحمقى والمغفلون والمنافقون واليساريون واليمنيون..هل من أوصاف اخرى نسيتها..أظن ذلك لكن لنبدأ الجدل. .تأثير الصوت قد يكون معنويا أو ماديا..ماديا مسموعا ومعنويا مقروءا صمتا أو جهرا..نحن اليوم نعيش الحالتين فما أعظم تاثيرهما وخطرهما..حينما يتحولان إلى اداة تعبير..تؤدي إلى بث الكراهية والتحريض على الأخرين وعلى مجموعات بشرية مختلفة أو وعقائد الأمم والشعوب في هذه الدنيا الواسعة.لنكتشف أن الناس قد انساقت إلى القطيع الذي تحب أن يقودها كل واحد من اولئك الذين ذكرتهم في مقدمة هذه السطور.
قال جمال عبدالناصر أرفع رأسك أنت عربي..بصوت قوي ثم حصل وحدث ماحدث..تعرضنا لأكبر نكبة تمتد مأساتها إلى اليوم.
في الادبيات كذلك "دعه يتكلم ويتحدث..دعه فالكتمان يضاعف الألم ..دعه يتكلم حتى لايتألم"والحديث عن الألم واسع.. الألم الذاتي أو الألم والهم العام وهنا اعني مايسير به الناس نحو ألم الشأن العام الذي يكتسح الجميع صغارا وكبارا معروفون أو مجهولين أو بأسماء مستعارة فالشأن العام بات ملاذا امنا لكل من أراد وهو حق مشروع كما أقول دائما لكن الحق المشروع يبغي أن يندرج في إطار المسؤولية فلكل بلد سياقاته وإطاراته ومحدداته التي تنبع من إرثه وتوجهه المجتمعي ونظامه الإجتماعي ولاينبغي الإنحراف عنها.
ومن المقولات كذلك "دعه يعمل..دعه يمر" وهنا المقولة تتعلق بالاقتصاد والتي تتعلق بإبعاد يد الحكومة عن الاقتصاد ليتولى القطاع الخاص والمنتجين تحديد الاجور والإجازات وغيرها على أصحاب رأس المال .كل ذلك في الإطار الرأسمالي..لكنه مع التاريخ ولى وانتهى ..وهي نقيض الجملة الشهيرة "من لايعمل .. لايأكل" وهي من المقولات اللينينية التي تتناول الطبقة العاملة التي تعمل فمن حقها أن تأكل بينما من لايعمل فليس من حقه أن يأكل ويقصد به الرأسماليون والبرجوازيون الذين يشغلون الغير ويكسبون الأرباح من العمال لكن ذلك ولى أيضا وبات العالم في صورته اليوم كما نراها مزيجا اقتصاديا واجتماعيا بين نظريتين.
هذه المقدمة تنطبق على مانراه اليوم في واقعنا..من لايعمل لايريد أن يعمل بقدر قدرته على الكلام فهو الأسهل والأرخص ورسومه قليله..سواء مباشرة أو عبر وسيلة تقنية أخرى.
من حقك الكلام ..اليوم ينساق الناس إلى أصوات صغيرة بكلمات كبيرة تنشر الذعر والإحباط والوهن بين العامة تحت مسمى حرية التعبير ..عن هواجسك وآلامك وخياراتك.لكن الإنحراف هو شحن العامة من غار حرية التعبير للإنظمام للقطيع..هذه كتلة مشوهة من"حرية التعبير" التي لاتجيد مجتمعاتنا توظيفها سليما..تبيح لنا مهاجمة بعضنا..هناك محددات إجتماعية تمنع هذا النوع من الإجتياح اللفظي.
كيف يتسنى لنا السيطرة على فتى حينما يطلق حرية التعبير المنفرطة ويحظى بتأييد الجميع..ليس عن ذاته لكن عن شأن عام..يؤدي ذلك إلى بناء صورة ذهنية عن لنفترض عن الدولة (بصورة عامة)ومنهاجها سلوكهاوعملها ..حينها قد يتراكم ذلك وتبدأ الدولة بمواجهة مطبات اجتماعية في مشروعاتها واستمراريتها كراعية للجميع وولية امر الجميع. اليوم تستخدم اللغة وحرية التعبير كأداة شحن وضغط بدلا من لغة حوار مهذبة..-مالفرق بين الدين النصيحة وحرية التعبير-..فيخرج الجميع غاضبا وتبدأ العزائم تنقرض وتتضائل.العمل والعيش الكريم والكرامة والأمانة والفرص والكفاءة والمحسوبية كلها مصطلحات طفت بقوة على السطح..أقول ذلك وليس من بلد جنة الله على الأرض فهو بلد يعيش عليه مجتمع بشري له عاهاته وله حسناته..ينبغي على الجميع تقويمها والحرص على ذلك..بدلا من الانقضاض على مفهوم البلاد بأكملها بل الإنقضاض حتى على الكبرياء الوطني"الإحساس بقيمة الوطن المعنوية في الذات".
اليوم نتماشى مع موجة جديدة من الإنتقاد العبثي الجامح.. ارى أن الانتقاد يختلف بين فكرين..المتعمقون في الوعي والسطحيون في تفسير الوعي والمفكرين.. وبين انتقاد رجل الشارع والعوام الباحثين عن صوت لهم ضمن الضجيج الذي يرون أنهم ينبي أن يخوضوا فيه مع الخائضون والسابحون وليدوروا في فلكهم.. يصرخ الجميع فقط للرغبة في إسماع أصواتهم..وصوت العوام يسود كصوت جاكوب "ذو القرنين" الذين كان أحد مهاجمي الكونغرس..فهو مزيج من صناعة الاحباط والتحريض لاراديا مغلفا بحرية التعبير .المصيبة الكبرى أن النخبة انصهرت كذلك في هذا الضجيج لتحجز لها مساحة في هذا العالم.
وترتفع الأصوات عن الجوع والفقر وعدم الرضى والأخطر منها الهزيمة الداخلية واعتبار البلد قد انتهت ولاسبيل من العيش بها لانها حطمت الآمال وبعثرته –بعدما تعلمنا منها أبجديات الكتابة والقراءة -الواقع أن ذلك غير صحيح وهو عجز عن وصف الفكرة فالكلام سهل واطلق ماشئت من العبارات.فمن يتحدث عن ظلم يختلف عن فكرة وصف القوانين الإدارية والصراع المالي والإداري وهو أمر يعلمه من يشتغلون بالحكومة..ومن يتحدث عن جوع وعن حركة شرائية فليذهب للأسواق هل سيرى الجوعى على جنبات الطرق أم سيرى المتسوقون والملستهلكون سواء في مراكز الولايات أو المعالم التسويقية.. الناس تتسوق قدر الحاجة وليس شرطا أن يعيش الناس في الأسواق يوميا لينفقوا بلاحساب للتحدث عن القوة الشرائية وتراجعها بسبب الإجراءات التصحيحية الجديدة..لكن الاجراءات التصحيحية كذلك لاينبغي أن تساوي بين الجميع للأخذ من مقدرات البلد.لذلك ينبغي أن لاينساق العقل إلى عبثية الأوصاف وتصديقها فإعمال العقل مطلب والواقعية هي التي تجعل العقل قادرا على إطلاق الأحكام الصحيحة.
"إن الإنتقاد يزيد الإنسان حكمة"..لكن المنتقدون على استعداد لتعليق المشانق بدلا من النصح.. والناصحون الذين يبتغون تقويم الطريق والرشد انقرضوا .. تكلموا فالليل طويل.