بقلم : علي المطاعني
أصبح الكل مشدودا لحديث وزير العمل أو قراراته أو تصريحاته في وسائل الإعلام وغيرها من الوسائط؛ فالجميع يترقب أي شيء ينطق به معالي الدكتور محاد بن سعيد باعوين، إذ أن حديثه أصبح يهم كل مواطن ومواطنة وكل بيت في السلطنة بدون استثناء؛ من الطالب إلى الباحث عن عمل إلى الموظف ثم المسؤول، بل حتى المتقاعدين من القطاعين العام والخاص، بمن فيهم المنتسبون للقطاع العسكري حيث يهمهم ما يقوله وزير العمل الذي يتمتع بالعفوية والتلقائية والمصداقية التي عرف بها أبناء المنطقة الغربية من محافظة ظفار، حيث ولد وترعرع.
والمستمع لأحاديث معالي الدكتور محاد المقل في التصريحات والأحاديث الإعلامية يعرف عنه كما يقال في الدارجة بأن كل ما في قلبه على لسانه، وبكل وضوح ولا يخفي شيئا يرى ضرورة أن يعرفه الناس؛ ولعمري أن هذه الشفافية لم يألفها الشارع العماني منذ خمسين عاما الماضية بهذا الوضوح في قطاع العمل، الذي يمس كل فرد في هذا الوطن الذي يحتاج إلى فتح قلوب المسؤولين قبل أبواب العمل التي تنتابها الكثير من التحديات وتتجاذبها أطراف الإنتاج.
فالكل يرغب في أن يكيف الأمور وفق مصالحه وتطلعاته، ووسط هذه التجاذبات الصعبة تجد أحاديث معاليه توازن بينهم وبين استدامة الفرص والمؤسسات، وهذه النظرة العميقة قد لا يدركها الكثيرون ممن يرغبون في أن تسير الأمور لصالحهم بغض النظر عن مصالح الأطراف الأخرى والاقتصاد بشكل عام؛ فهذه الروح التي يتمتع بها الوزير في إدارة ملف من أهم الملفات في البلاد جعلت الكل يصغي لما يتحدث به الأكاديمي محاد باعوين في القطاع الحكومي والخاص والباحثين عن عمل والأهالي الذين بدأو يتفهمون منطلقات الأحاديث الصادقة التي تتدفق من معاليه بسلاسته المعهودة وبدون تكلف في الحديث وبكل صدق.
ولعل ارتياح الأوساط المحلية على اتساعها لتوجهات وزارة العمل رغم كل التحديات؛ تأتي انعكاسا لما يفضي به معاليه من أحاديث بريئة في توجهاتها وتطبيقها بشكل يراعي كل الموازين، وبهدوء لا يعرف الضجيج، وبحكمة لا تخطئها العقول المفكرة بالمستقبل والمنصفة للجميع؛ فبهذه الأحاديث أصبح الكل يعي مسؤوليته قبل أن يلقي باللوم على الآخرين.
فالهدوء الذي يتميز به وزير العمل في المناقشات والحوارات يكاد يقنع الكثيرين عند مناقشاتهم لأسخن الملفات على الإطلاق، فمهما كانت الأطروحات مستفزة والأسئلة ساخنة إلا أنه سرعان ما يستقبلها بابتسامة هادئة تجعل طارح السؤال يتوارى خجلا وتحرج من يطلق الأسئلة المستفزة، ومهما كانت الأسئلة تجد الوزير يستوعبها بكل هدوء، ويتلمس للطرف الآخر العذر في حدة السؤال بشكل لا يتلاءم مع مقام المسؤول ولا مناسبة الحدث، إلا أن كل ذلك مع وزير العمل كمن يلقي عليه بردا وسلاما؛ وكأن الأمر لم يكن، لتجد فيما بعد أن السائل تراجع عن أطروحاته المستفزة وعرف أن استنتاجاته ليست في محلها.
فعلى الرغم من التباينات التي يشهدها سوق العمل وتضارب المصالح بين أطراف الإنتاج والصراعات الخفية بالشد والجذب؛ إلا أن كل ذلك مع وزير العمل يبدو طبيعيا وليس مقلقا رغم توجسه من بعض الممارسات الخاطئة التي لا يتوانى أن ينتقدها أو يفصح عنها بأدب ممزوج بالنكتة الخفيفة التي تعكس عدم رضاه عما يحدث في بعض الأحيان من ممارسات أطراف الإنتاج؛ فالقناعة لديه بأن هناك من يتهرب من المسؤولية سواء كان باحثا عن عمل أو صاحب العمل؛ واضعا الوزارة في منطقة ضبابية في إدارة سوق العمل الذي لا يتوانى الدكتور محاد بأن يصفه بأنه مصاب بتشوهات تحتاج إلى معالجات جذرية، و لا يخجل من أن يكشف بكل أريحية القصور في وزارته على الملأ، وعدم تحقيقها بعض التطلعات، ويفصح عن ذلك بأسلوب جم لا يخلو من الكياسة والحنكة في توضيح الأمور؛ لكن سرعان ما يلبث أن يبعث الأمل في النفوس بأن القادم أفضل؛ مشترطا تضافر الجهود وتعاون كل الأطراف.
الشفافية التي يتميز بها الدكتور محاد والتي على ما يبدو أنه جلبها من المجال الأكاديمي الذي عاش فيه سنوات بين السلطنة والخارج وبين أستاذ ومتعلم؛ جعلته لا يتوانى في مصارحة الشارع وبألطف عبارات القول بأن الوزارة ليست إلا منظما للعمل بين الأطراف، ومشرعة للنظم والإجراءات، وليست مولدة للفرص؛ ليرسخ قناعات مع الآخرين بأن العمل يأتي تلقائيا ما دام الاقتصاد حيا ومنتعشا والعكس صحيح؛ وربما كانت هذه الجزئية كحقيقة غائبة عن أذهان الكثيرين ممن يرون بأن وزارة العمل هي المسؤولة عن التوظيف.
فعلى الرغم من المسؤوليات الكبيرة التي يضطلع بها وزير العمل بإدارة التوظيف في كافة قطاعات الدولة و ما يكتنف هذا الملف من حساسيات وتدخلات ومعارضات، وعدم قناعة من كافة الأطراف وإلى غير ذلك من هواجس؛ إلا أن ذلك على ما يبدو لم يؤثر على شخصية وزير العمل في تعاطيه مع كل ذلك ليل نهار، مؤمنا على ما يبدو بأن الأمور ماضية إلى طريقها لتصحيح مفهوم العمل وماهيته على أسس دقيقة؛ ومن الطبيعي أن يجانب بعضها الخطأ والصواب، خاصة في التوفيق بين أطراف متعارضة، ولكن في المقابل وبالإنابة معاليه يوضح وجهات نظر الآخرين ونظرتهم للعمل بمفاهيم محددة، ليس مبررا لهم؛ لكن مستعرضا وجهات نظرهم لإيضاح مدى توافقها مع الواقع من عدمه؛ ليعطي للآخرين دروسا غير مباشرة عن أوضاع سوق العمل وصعوبة التوفيق بين أطراف متناقضة في وجهات النظر ومتعارضة في المصالح، ومدى الجهد المطلوب بذله في التوسط بين هذه الأطراف.
الكل مع الدكتور محاد سواسية سواء باحث عن عمل أو صاحب شركة فكلاهما في نظره يسعيان لخدمة الوطن من منظوره الخاص، وكلاهما على صواب مهما اختلفا في الآلية لتوصيل الفكرة أو الرأي.
فالوزير يتميز بسعة في البال تجعله يستوعب كل المتغيرات بسوق العمل في القطاعين العام والخاص وما يعتريه من تطورات متسارعة، يضاف إليه إدارة القطاع العام، وتطوير نظم إدارة العمل، وتقييم الأداء الذي لا يقل أهمية عن غيره من الملفات الشائكة، إلا أنه يتمتع بإدارة تفويض الصلاحيات للوكلاء ومسؤولي الوزارة بشكل كبير يجعلهم يعملون بأريحية كبيرة مع بروفيسور أخذ من العلوم في الإدارة ما يجعله مطمئنا لكيفية إدارة وزارة بهذا الحجم وذاك التشعب واتساع المجالات؛ وقبل كل ذلك رضا عملائها في كل بيت.
ربما تكون الظروف الاقتصادية والصحية التي تشهدها السلطنة كغيرها من دول العالم، حالت دون تحقيق تطلعات معاليه في إحداث نقلة نوعية في سوق العمل، كما أن المجالات التي يمكن أن يتحرك فيها لتوليد المزيد من الفرص لأبنائنا محدودة وتحيط بها الأزمات الواحدة تلو الأخرى؛ ولكن كل ذلك لم يجعل اليأس يتسرب إلى نفس الوزير، فهو دائما متفائل بالأفضل.
لذا فإن ظهور وزير العمل للعلن وبشخصيته البهية تجعل الكثيرين يلزم شاشات التليفزيون ليستمع لما قد يصرح به، لما يشكله ذلك من أهمية كبيرة، وما يتميز به من مصداقية أصبحت حديث الشارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصحوبة بصورته الشخصية وسط تفاعل واسع بين مؤيد ومعارض في جدال صحي؛ إلى أن تترسخ ثقافة جديدة في العمل في البلاد تقوم على أسس الكفاءة والجدية والاجتهاد والتميز في الأداء والالتزام، والتي تمثل كما يرى معاليه مفتاح تطور الاقتصاد والنهوض بالتنمية على أساس أن الموظف الذي يتقن كل ذلك هو العماد الذي ينهض على ضوئه الوطن؛ لذا كما يرى الوزير بأن ذلك يحتاج إلى المزيد من الوقت للتحول وإلى فترة انتقالية.
بالطبع الحديث عن كاريزما وزير العمل لا يتسع المجال لها في هذه العجالة؛ ولكن كما يقال بأن الشيء بالشيء يذكر عند الحديث عن شخصيات مميزة في العمل، وتتحمل أعباء كبيرة في إدارة ملف من أصعب الملفات؛ يوازن فيه بين كفتي الميزان كي لا تطغى واحدة على الأخرى، ولا يميل لطرف على حساب آخر، ولا يزعل أطرافا لإرضاء آخرين، فكل هذه المسائل بالغة الحساسية ومن الصعوبة التوفيق بينها إلا بواسطة شخصية تؤمن بأن الحوار هو الأساس وأن فرص الحلول أكبر من الخلافات.
نأمل أن تتضافر الجهود لإنجاح مثل هذا الجهد الذي يقوده معالي الدكتور محاد باعوين وفريقه من كافة الجهات الحكومية أولا ومن أصحاب الأعمال ثانيا ومن الباحثين عن عمل ثالثا ومن المجتمع رابعا؛في تقدير قيمة العمل أولا والقبول بالفرص. فتكاتف الجهود وتضافرها هي السبيل إلى بر الأمان الذي يسعى إليه الوزير وطاقمه؛ ولكن كما يقال اليد الواحدة لا تصفق.