بقلم : محمد محمود عثمان
توقف حركة الصادرات والواردات وحركة السفر بين دول العالم وإغلاق المطارات والمنافذ الحدودية أمام السفر والتجارة والسياحة العالمية ، وكذلك تفاقم المضاعفات السلبية في ظل تذبذب وهبوط أسعار النفط ، واستنزاف معظم الاحتياطيات النقدية ، وزيادة العجز في الموازنات العامة للدول بنسب عالية ، تمثل أكبر التحديات مع ظهور المتحورات الجديدة وشبح العودة إلى نقطة البداية في المربع الأول، لأن المخاطر متنوعة وقائمة وتخرج من دائرة الاحتمالات أو التوقعات إلى الواقع في ظل التخوف من التعايش السلمي مع هذه الجائحة التى لا يمكن تجاهل موجات التسونامي الارتدادية التي تهز الاقتصاديات من حين إلى آخر، وتبدوالاشكاليات مع زيادة عدد الاصابات ، التي ربما تفوق قدرة المنظومات الصحية في بعض الدول ، التي تكون مضطرة إلى العودة للإجراءات الاحترازية الجزئية أو الكلية اللازمة للحد من انتشار هذا الوباء أو السيطرة عليه ، مع التخوف من موجة جديدة من تسريح العمال مع توقع أن حالة التعايش بين السياسة النقدية ونتائج «كوفيد-19» قد تُخلف أرضا خصبة للتضخم، الذي ارتفع نتيجة المحفزات المالية ، التي قدمت لإنقاذ الشركات وإنتعاش الاقتصاد من الحكومات والبنوك المركزية، لمواجهة تداعيات الجائحة خاصة أن توسنامي كورونا « أوميكرون المتحور الجديد» يثير قلقا أكثر من أي متحوّرة أخرى منذ ظهور دلتا التي تبيّن أنها أشد عدوى من متحورات كوفيد-19 السابقة، وأيضا أثرت على أسعار النفط العالمية التي تراجعت بأكثر من 10% بعد أن أثارت السلالة الجديدة لفيروس كورونا المخاوف من عودة الإغلاقات التي تهدد التعافي العالمي للطلب، وزيادة المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من 2022،ولا سيما أن صندوق النقد الدولي الذي يتوقع نموا بنسبة 4,9 % للعام الجاري يحذر من أن فيروس كورونا ومتحوّراته لا يزالان مصدر التهديد الرئيسي. ولكن بالرغم من ذلك فإن الاقتصاديات العالمية لن ترضخ أمام هذه المخاوف تجنبا للخسائر التي اصابت العالم بالركود والكساد وتقود امريكا هذا الاتجاه بعد أن أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن إنه “لا داعي للهلع” حتى لو أغلقت الولايات المتحدة حدودها أمام المسافرين من منطقة جنوب إفريقيا حيث اكتشفت المتحوّرة. على الرغم من أن الآثار السلبية للقرارات الخاطئة في بداية مواجهة كورونا - لا زالت قائمة ومؤثرة - فى مواجهة الأزمة التي ركزت فقط على الاحترازات الصحية ، وإغفال مصالح القطاعات الاقتصادية التي تنهار على مرأى ومسمع من الجميع ، خوفا من انكشاف ضعف أوانهيار المنظومات العلاجية، فحتى الآن لم تتم استعادة ثلث الوظائف التي فُقدت بسبب الجائحة، وزيادة حالات تعثر وإغلاق الشركات ، بخلاف حالات الإفلاس مع زيادة هجرة الكثير من الأيد العاملة قسرا أو برضاها بعد تقليص الأجور، وتأثير ذلك على المشروعات القائمة والاستثمارات الجديدة وعلى سوق العمل بشكل عام ، الذي سيظل يعاني في المستقبل ولعدة سنوات من نقص الكوادرالعمالية الفنية والمدربة ،لذلك نأمل أن تشهد معدلات الاستثمار طفرة كبيرة محليا وعالميا في الفترة المقبلة في بداية مرحلة التعافي الاقتصادي الذي نسعى عليه ، باعتبار أن حجم الاستثمارات الجديدة هو أهم العناصرعلى طريق التعافي، لذلك علينا أولا : أن نحافظ على الاستمرار في تخفيف إجراءات الإغلاق أو عدم اللجوء إليها وثانيا: زيادة الإنفاق والاستهلاك لتنشط دورة السوق وتعزيز القدرة الشرائية وثالثا: تقديم التسهيلات في الإجراءات والبعد عن الروتين والتعقيدات. ورابعا : تخفيف الرسوم الباهظة والمبالغ فيها عند استقدام الأيد العاملة الأجنبية الفنية الماهرة والرخيصة التي تفتقدها أسواق العمل وخامسا :تقديم إعفاءات جمركية وضريبية لعدة سنوات لخلق بيئة استثمارية تنافسية وجاذبة وسادسا: استقرار القوانين المتعلقة بأسواق العمل وبالاستثمار والمستثمرين ،بالإضافة إلى الدراسة المتأنية لمتطلبات الاسواق ودراسة آليات العرض والطلب للتحكم في الأسعار ومواجهة التضخم ، ومراجعة منظومة التشريعات والقوانين لتصفيتها وتنقيتها من القرارات والقوانين التي ثبت عدم مواءمتها للقطاع الخاص ، حتى تواكب التطورات التشريعية العالمية ، حتى لانضع الأغلال في أعناقنا ونكبل أنفسنا بأيدنا بقرارات غير مدروسة وغير قادرة على استشراف المستقبل أو على المواجهة العملية لموجات «توسنامي كورونا « الارتدادية والمتحورة والمدمرة وغير المتوقعة التي تشيروفق توقعات خبراء الاقتصاد بأن العالم مقبل على أزمة اقتصادية جديدة ربما تستمر لأكثر من 3 أعوام ، على الرغم من وجود اللقاحات واكتشاف أدوية جديدة لا تظهر تأثيراتها مباشرة ، في ظل مخاطر السوق والأوضاع الاقصادية والسياسية غير المستقرة ، وسعر الفائد ومعدلات التضخم وأسعار الصرف والتي لا يكمن السيطرة عليها جميعها المستقبل ، لذلك علينا أن نتعلم من أخطائنا التي واجهنا بها جائحة كورونا وأثرت سلبا على اقتصاديات الدول وعلى حياة الناس ، لأن الأمر الخطير في هذه المرحلة هو استسلام صناع القرار للمخاوف المستمرة من متحورات كورونا ، والمخاطر تزداد في الدول والاقتصادات التي مثلت المناطق الطاردة للاستثمارفي السنوات الأخيرة وأدت إلى هروب الاستثمارات وإغلاق المصانع والتحول إلى مناطق أخرى.