بقلم : محمد محمود عثمان
لاشك أننا كنا نتمنى أن نكون من أول المتعافين اقتصاديا ، حتى يمكن أن تستمر عمليات التنمية الاقتصادية وفق السياسات التي نخطط لها والرؤى التي نتمناها، بعد أن انحسرت موجات الجائحة مؤقتا ، وبدأ التعامل العادي للمناشط الاقتصادية تبعا لاستعداداتها وطاقتها وقدرتها الإنتاجية ، ولكن كم من شركات القطاع الخاص حافظت على عناصر الإنتاج لديها من أيد عاملة مدربة ومستقرة ومعدات وآلات ومواد خام إلى جانب منافذ التسويق ، وكم من الشركات حافظت على رأسمالها من التآكل ، وكم من الشركات المسجلة في البورصات المالية حافظت على قيمة اسهمها وعلى أدائها المالي ؟ حتى لاتفقد جاذبية المستثمرين ،وحتى تتمكن من التشغيل الكامل في وقت قصير، لأن الاقتصاد من القطاعات الذي لايصلح معها الأماني والأمنيات ولنتذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقي :
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وبذلك فإن تحقيق الأمنيات لا يمكن أن تتم بدون التخطيط لذلك ، وبما تقدمه أيدينا وما نتعب ونُجد في تحقيقه وما نُشرع من قوانين وما نطبقه من سياسات تتسق مع مبادئ التخطيط وأصول الإدارة العلمية والرؤية المستقبلية ،لأن الحلول دائما تتولد من رحم الأزمات ، ولنا في الدول الأوربية ومنها الشركات الألمانية تحديدا القدوة في ذلك، حينما لم تستسلم أمام «كيوفيد 19»،حيث قررت منذ بداية الجائحة التخطيط المسبق للتعافي، والتي بدأت من عدم تسريح الأيد العاملة الفنية ،والإبقاء على خطوط الإنتاج متوقفة ولكن مستعدة للعمل ، تحت شعار «لا نضحي بالعمال من أجل الأموال «، ورأت الاحتفاظ بالعمال تحت كل الظروف وتحمُل تبعات ذلك، حتى يمكن أن تنطلق شركاتهم بدون عناء عندما تبدأ رحلة العبور للعمل من جديد والانطلاق بالاقتصاد بقوة للتحول من زمن الجائحة والخروج الآمن من الأزمة الاقتصادية ، على الرغم من التحديات التي تتمثل في وجود تضاد أو تناقض قائم على أرض الواقع نتيجة تجاذب قُوتين الأولى الرغبة في التخلص من حالة الركود وتقديم الحزم التحفيزية القوية للاقتصاد ، كما حدث من حكومات مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ، والثانية التداعيات المستمرة لجائحة كورونا ،التي لم تصمد أمامها معظم الاقتصاديات النامية ، خاصة منظومتها الصحية ، التي انعكست سلبياتها على كل المناشط الاقتصادية ، ولاشك أن الذي ينجح في هذه المباراة من يستطيع صنع التوازن بين المتضادين ، وحرص على التعايش مع الفيروس ، مع الحرص على دعم الأنشطة الاقتصادية، بما يخفف من وطأة التداعيات السلبية بشكل مباشر، وبذلك يضع قدمه على المسار الصحيح للاقتصاد، وهى أولى خطوات التعافي، الذي نجحت فيه الشركات الألمانية على العمل بسرعة بكامل طاقتها وهى في طريقها لتحقيق نمو قوي للصادرات خلال العام الحالي ، على الرغم من نقص بعض المواد وإشكاليات النقل وسلاسل الإمدادات ،وهى تسبق بذلك معظم الاقتصاديات العالمية وقد أعلن ذلك
«ديرك ياندورا «رئيس الرابطة الاتحادية لشركات تجارة الجملة والتجارة الخارجية حيث قال :»إن صادرات البضائع ستتجاوز مستوى ما قبل أزمة كورونا، وإن كان ذلك قد لا يستقيم مع مؤشرات الخبراء بوجود تباطؤ في التعافي مع زيادة مشكلات الطاقة «، ولكن على الرغم من احتفاظ الشركات الألمانية بعمالها ونظرا لحجم العمل وقوة التشغيل المطلوبة فقد طلبت الشركات المتوسطة في ألمانيا استقدام المزيد من الكوادر الفنية من الخارج لمكافحة النقص في القوى العاملة المتخصصة في البلاد، بدون التقيد بجنسياتها ووفقق آليات سوق العمل والعرض والطلب الذي تتحكم فيه القدرة التنافسية للأيد العاملة الماهرة ، التي يتم التركيز فيها على هذه الكوادر، باعتبار أن نقص الكوادر الفنية أو المتدربين، يهدد بشكل أساسي القدرة التنافسية للشركات المتوسطة وبالتالي تهديد الاقتصاد الألماني كمقر للشركات، لذلك ركزت على جلب الأيدي العاملة الماهرة لتحافظ المانيا على مكانتها كموطن للصناعات المتقدمة في العالم ، لذلك تخطئ بعض الحكومات مرتين الأولى: عندما تقنن للقطاع الخاص تسريح قاعدة العمال لديه أو تخفيض رواتبهم ، في الوقت الذي يفكر فيه الغرب بطريقة أخرى تماما للحفاظ على مستوى الإنتاج والصادرات ،عندما احتفظ بالكوادر العمالية ،ثم البحث عن المزيد من الكوادر الفنية المتخصصة وجلبها من الخارج حيث أعلنت وكالة العمل الاتحادية الألمانية أن مجموع القوى العاملة التي يجري البحث عنها حاليا يبلغ نحو 1.2 مليون عامل، والثانية : حينما تعتقد أنه في الطريق إلى التعافي تقتصرمهمتها على الاستجابة لوسائل التواصل الاجتماعي ولصراخات الباحثين عن عمل أو المسرحين -إرضاء للرأي العام - من خلال توفير بعض الوظائف الهامشية التي لا تمثل قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد، أو لا تمثل فرص عمل منتجة في إطار التوظيف الكامل لقوة العمل، لأنه ربما قد تكون هذه الوظائف عبئا على الشركات وجهات العمل ، لأن الحل ليس في توظيف البعض فقط ، بدون حل نهائي لمشكلة التعطل عن العمل، ولكن الأهم هو ماذا تضيف هذه الوظائف للناتج القومي ؟ لأن المحفز الأقوى للوظائف هو حجم المشروعات والصناعات التي توفرفرص العمل الجديدة والتي ترفع من حجم الصادرات وموارد الدخل الفردي والقومي ، باعتبار أن الاقتصادات الناجحة هى التي تحقق التعافي الفعلي أسرع من غيرها ،وصولا إلى مستويات النمو السابقة قبل انتشار الوباء.