بقلم : محمد بن علي البلوشي
المحافظون هنا ليسوا بيمينيين أو يسارييين متطرفين كما درجت الأدبيات على وصف المتشددين البرلمانيين أو الأحزاب بالمحافظين..ففي عمان يحدث تحول في الهيكل الإداري للدولة وصلاحيات الحكومة المركزية والصلاحيات التي ستمنحها إلى الأطراف ومنها المحافظات وتتمثل في إدارة شؤونها بعيداً عن القرار في العاصمة مسقط. ستكون مسقط مراقبة لما يحدث في المحافظات وموجهة في بعض الأحيان وستتدخل في الوقت المناسب حينما تعجز إدارة المحافظات عن تنفيذ رؤاها أو تخفق فيها بفعل عوامل إدارية داخلية أو مجتمعية..السؤال هل سيستطيع المحافظون أن يحدثوا حراكاً في المحافظات طبقاً للإرادة السامية؟ أولاً ينبغي أن يقول المحافظون ماذا يريدون وماهي رؤيتهم والعوائق التي قد يواجهونها فهم بحكم الخبرة في إدارة الشؤون المحلية يعلمون ما الذي ينقصهم، وما الذي قد يعرقل نشاطهم والتحديات التي قد تحد من تنفيذ رؤاهم في المحافظات..ينبغي معرفة ذلك حتى لا نظلمهم لاحقاً ونقول لهم شكراً لكم لكنكم لم تفعلوا شيئاً ولم تحركوا قيد أنملة في المحافظة ولم تستطيعوا إشعال ضوء صغير في نفق طويل.. المحافظات هي النفق لكنه ليس مظلماً بل متعرجاً وفيه من المحددات التي تخضع لتوازنات عديدة منها إدارة صراع الكيانات الاجتماعية ..هذا أحسن وصف «مهذب» بدلاً من قول «تحكم القوى العشائرية» فيها.. بالرغم من مدنية الدولة لكنها كذلك لا تهدم الكيان الاجتماعي بالضغط والبسط والسيطرة بل الإقناع. إنشاء الحدائق والترفيه والتجميل والسبل العامة ليس اختراعاً عبقرياً وليس هو ما تحتاجه المحافظات بولاياتها هذه تبقى مكملات تنموية حالياً فالطرق والبنية الأساسية شبه مكتملة ولها موازنات مرصودة قد تكتمل خلال السنوات القلائل المقبلة من تغطية الطرق الداخلية وشبكات المياه والصرف الصحي بحسب الأولوية..حسناً ثم ماذا؟ الأصل في القصة تخفيف العبء الإداري البيروقراطي غير المبرر الذي تمثله المحافظات وما يستدعي ذلك من حلقة طويلة من الإجراءات حتى تصل الموافقة من مسقط بعد أن أنهكت مئات الرسائل والمخاطبات الحلقة الإدارية.. هذا في المرحلة الأولى حتى تستطيع المحافظات أن تقف على قدميها وتنسجم تلقائياً في إدارة شؤونها الذاتية باحترافية إدارية متطورة وتكون إدارة محلية ذاتية في شؤونها كالصحة والمدرسة والبلدية والإسكان وغيرها من الشؤون العامة الحكومية الموجودة بالمحافظات ومدعومة بوجود المجالس البلدية التي هي الأخرى بحاجة إلى إعادة تطوير وتحديث لمفهومها..ليس من شأنها حل تراكم الأوساخ في الأحياء لتجتمع وتجري اتصالاً بمدير البلدية لتوبخه أو تقول له عن التقصير. بل يتطلب منها تفعيل أدواتها لنجاح فكرة العمل البلدي وابتكار أفكار منطقية ومعقولة من خارج الصندوق يجمع عليها الناس طالما أنهم ممثلون للمجتمع. هذه كذلك لا تحتاج إلى قدرات خارقة طالما وجد الناس الحماسة والرغبة والأمانة في إنجاح شؤون محافظاتهم كما لوكانوا في وزارات محلية مصغرة. الأهم من ذلك كله كيف يمكن أن تتحول المحافظات إلى ورش مشاريع اقتصادية كتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى إنشاء الشركات المحلية والصناعات التي توفر فرص عمل لأبناء هذه المحافظات ..أن تتحول المحافظات إلى محافظات منتجة ومصدرة للسلع والخدمات مما يمكنها من أن تصبح مزدهرة اقتصادياً وتجارياً..من المهم أن توجد دراسة تظهر المقومات الاقتصادية لكل محافظة ومن الأهمية بمكان أن تسعى المحافظات إلى جلب استثمارات داخلية بدلاً من الاعتماد على مسقط على سبيل المثال ويمكن لرجال الأعمال المحليين أن يطرحوا الأفكار الخلاقة لتنمية وازدهار المحافظات. استمرار المحافظات بالصورة الحالية أو السابقة لن يقدم شيئاً وكأننا أوجدنا صورة وهمية بعيداً عن الحقيقة التي نريد لها..ينبغي أن تتحول المحافظات إلى قطار يعتمد على عجلاته في التنمية الاقتصادية يستفيد منها السكان وتوفر العمل وتبدأ دورة الاقتصاد في الدوران لصالحها.هل يمكن على سبيل المثال أن تخضع كل الأنشطة في الولايات للمحافظة وتحول إيراداتها كالرسوم البلدية ورسوم تجديد العمل والعمال وإيرادات الشرطة والضرائب والرسوم التي تحصلها الدولة لصالح المحافظات عبر بناء نظام مالي جيد وبذلك تصبح للمحافظة إيراداتها؟ إن ذلك كما قلت يتطلب عملاً تخطيطياً ممنهجاً ومدروساً ومتدرجاً وستبقى أفكارا وأحلاما ربما مما سيعود بنا إلى اعتمادها -المحافظات- على «الحكومة المركزية»..اللامركزية فكرة صحية ..قد تكون معقدة بعض الشيء في مجتمعنا..ومع ذلك فهي تمثل قفزة إلى الأمام.