بقلم: محمد بن محفوظ العارضي
«لا تحكم علي بنجاحاتي، احكم علي بعدد المرات التي سقطت فيها وقمت من جديد». كلمات حكيمة للراحل نيلسون مانديلا، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا والإنسان اللامع الذي يتم الاحتفال بإرثه حتى يومنا هذا.
تعتبر كلمات مانديلا ذات صلة وثيقة بعالمنا اليوم، هذا العالم الذي عانى بشكل جماعي من خسائر وتحولات كبيرة بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، ولكنه اجتمع أيضًا بعدة طرق للتكيف والاستجابة للمتغيرات.
ونظرًا لخطورة التحديات التي أثرت على الأنظمة المختلفة التي تخدم مجتمعنا، من المهم أن نفهم أن التعافي سيكون عملية مستمرة، ولكن يجب أن نظل ملتزمين بالتقدم وألا نغفل عن أهدافنا طويلة الأمد.
لقد حققت منطقة دول مجلس التعاون الخليجي أداءً جيدًا من حيث الاستجابة للجائحة وهي في طريقها إلى التعافي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تعود المنطقة إلى التوازن المالي بحلول عام 2023، للمرة الأولى منذ العام 2014.
وفي حين أن هذا الأمر واعد، نحتاج إلى تذكير أنفسنا بالرحلة التي قادتنا إلى هذا المنعطف، والتعلم من التحديات التي واجهناها والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل.
لقد قطعت دول منطقة مجلس التعاون الخليجي بلا شك شوطاً طويلاً في العقود القليلة الماضية. على سبيل المثال، انتقلت عمان من دولة بسيطة إلى دولة سريعة التطور، وأخذت زمام المبادرة في الشؤون الخارجية التي تعزز السلام والوئام والتحالف بين الدول.
كما تطورت المنطقة من موقع جغرافي غير معروفة نسبيًا إلى بوابة بين الشرق والغرب، وإلى موقع بارز لاستضافة المؤتمرات الدولية وغيرها من الأحداث، وإلى محرك للتقدم في مجالات لا تعد ولا تحصى- من السياحة إلى العقارات والتكنولوجيا وغيرها.
وبالإضافة إلى استثمارات حكوماتنا والقطاع الخاص، أعزو هذا التقدم إلى الشباب. فقد ثابر شبابنا وخطوا أشواطاً كبيرة في التعليم العالي والأعمال والعلوم، واستخدموا قدراتهم لصالح المجتمع.
ومنذ وقت ليس ببعيد، كانت منطقتنا تعتمد بالكامل تقريبًا على النفط، ومع ذلك، شعرت دائمًا أن شبابنا هم أعظم ثروة لدينا ومفتاح لمستقبل مستقر ومزدهر.
وبينما تم إنجاز الكثير على صعيد التنويع، فإن الخطوة الطبيعية التالية نحو غد أكثر إشراقًا تتضمن مشاركة أوثق مع الشباب، بما في ذلك إطلاق مجموعة من البرامج التي تسخر المواهب الشابة وتمكن جيل الشباب لقيادة منطقتنا خلال العقود المقبلة.
إن التركيز المستمر على نمو القطاع الخاص ضروري أيضًا، لذلك أدعو جميع المؤسسات المالية في المنطقة إلى الالتزام بدعم رواد الأعمال من الشباب. إذ تعد الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لأي اقتصاد.
لقد تمكنت الشركات الصغيرة والمتوسطة من الوصول إلى الموارد المالية وورش العمل في المنطقة، ومع ذلك، يجب علينا إعادة فحص احتياجاتها في البيئة الحالية سريعة التطور. ويمكن للمنظمات التي لديها وسائل لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تتفاعل بشكل وثيق مع رواد الأعمال والمتخصصين في الصناعة لتصميم برامج التمويل والإرشاد وفقًا لمتطلباتهم، والسماح لهم بإنشاء وتوسيع أعمالهم بأكبر قدر ممكن من السلاسة.
وبينما نما التعليم في المنطقة، وخاصة التعليم العالي، بسرعة كبيرة على مدى العقود الماضية، يجب علينا أيضًا استكشاف بدائل للتعليم الرسمي.
إن العالم من حولنا يتكامل بشكل متزايد، وبالنظر إلى الوتيرة السريعة التي تتطور بها التكنولوجيا الحديثة وتؤثر على الأفراد والمنظمات على حد سواء، نحتاج إلى تبني وجهة نظر شاملة تجاه التنمية الاقتصادية والعمل على إعداد جيلنا الشاب للمستقبل.
وتعد برامج التعليم المستمر، التي تقدمها المؤسسات المختلفة، خيارًا ممتازًا للشباب الذين يتطلعون إلى اكتساب المهارات والمعرفة ولكن في إطار من المرونة بسبب العمل المستمر والالتزامات الأسرية.
وتتيح هذه البرامج للمهنيين الطموحين ومتوسطي المستوى توسيع آفاقهم والنظر إلى ما وراء الحدود المتصورة لمهنهم، مما يشجع على الإبداع والمرونة. كما أنها خيار مثالي للنساء اللواتي ابتعدن عن مكان العمل لرعاية أسرهن، لا سيما مع وجود مجموعة متنوعة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت التي باتت إمكانية الوصول اليها أسهل من تلك الدورات التي تتطلب حضورًا شخصيًا.
علاوة على ذلك، تعد برامج التعليم المستمر خيارًا ممتازًا لأصحاب العمل الذين يتطلعون إلى الحفاظ على تفاعل موظفيهم ومواكبة الاتجاهات العالمية في مجالاتهم، أو تزويدهم بالمعرفة في المجالات التي ستدعم أدوارهم.
لا يمكننا تجاهل تداعيات الجائحة، ولكننا بحاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى التركيز على ما يهمّ. فالتحولات العالمية التي حدثت في العامين الفائتين ذكّرت الناس في جميع أنحاء العالم بمدى أهمية أن يعمل المجتمع في وئام، وهي فكرة تمثل جزءًا لا يتجزأ من التقاليد العربية وإحدى أعظم نقاط القوة في منطقتنا.
لطالما كان التعليم محركًا رئيسيًا للنمو. ورغم ما لدينا من شباب موهوب ونشط للغاية، يجب أن نتأمل السرعة التي يتغير بها العالم وأن ندعم مبدأ التعلم مدى الحياة من أجل الاستعداد للمستقبل والاستفادة من نقاط قوتنا لاغتنام الفرص التي قد تظهر حاضرنا وفي المستقبل القريب.