بقـلم: خـالد عـرابي
منذ أن انتصف شهر ديسمبر الجاري ويسألني صديقي (آسيوي) كل يوم أين ستقضي رأس السنة؟ في البداية أخذت السؤال على محمل العادي وأجبته في البيت مع الأسرة، ولكنني وجدته يكرره علي كل يوم وأنا لا أجد إجابة مرضية له فمرة أجيبه في البيت، ومرة أقول له بأنني سأقضيها مع الأصدقاء، وتارة أخرى لا أجيبه (أطنش) كأن لم أسمعه، وهكذا إجابات، ومع هذا أجده لا يتوقف وأجدني كل يوم -أي نعم كل يوم وبدون مبالغة- لابد أن أسمع هذا السؤال..
مع مللي من هذا السؤال وتفكير في شيء آخر وهو ماذا سيفيد أو يضر هذا الصديق إذا عرف أين سأقضي ليلة رأس السنة حقا، وماذا سيقدم لي إذا كنت سأذهب فيها إلى مكان ما، أو لن أذهب فيها إلى أي مكان .. هل سيدعوني مثلا إلي مطعم أو إلي فندق ما أو خلافه.. بالطبع هذا على سبيل التساؤل فقط، ولا أعتقد أنه سيفعل ذلك لأنه لم يبادر و لو تجملا بالدعوة لمثل هذه الأشياء أبدا..
المهم ومع تكرار هذا السؤال الذي أصبح روتينا يوميا ورغبتي الملحة في وقف هذا السؤال استحضرت قصة "جزيرة القطن"، وبدأت كلما سألني أين ستذهب في ليلة رأس السنة أقول له إلى "جزيرة القطن"، وهنا بدأ السؤال الأكثر إلحاحا منه أين جزيرة القطن وكيف يمكن الذهاب إليها وكم تكلف... إلخ .. هنا ومع الالحاح كان لابد من وقف ذلك بالإجابة فقلت له جزيرة القطن هي "النوم في السرير" وقد أطلقت عليها كذلك لأنني استحضرتها من نشأتي في صعيد مصر، فقد كان الغطاء المفضل لنا في الشتاء هو "اللحاف" وهو مصنوع "منجد" من القطن المصري وكان وما زال يستعمل حتى الآن وهو بالمناسبة أكثر صحية من أنواع كثيرة من الغطاءات الحديثة "البطاطين ".. فمعنى أني سأذهب إلي جزيرة القطن هو أنني سأذهب إلى السرير لأنام وأتغطى بهذا اللحاف المصنوع من القطن.. سمع القصة وضحك كثيرا ومن بعدها ربما سألني مرة أو مرتين وأجبته بأني سأقضي رأس السنة في جزيرة القطن فحفظ الإجابة وبعدها توقف.
أستطيع أن أقول بأنني محظوظ بهذا النوع من الأصدقاء الذين يحبونني كثيرا ويريدون أن يعرفوا إلى أين أنا ذاهب وكيف أقضي أوقاتي وكيف أدبر أموري أو كيف أصرف حياتي وغيرها ومن هؤلاء صديقي (العربي) الذي يسألني كل أربعاء عن عطلة نهاية الأسبوع: "وين تروح في نهاية الأسبوع عرابي)، والذي كان يحدث معه ما حدث مع صديقي الآسيوي تماما مع فارق أن صديقي الآسيوي حدث الأمر مع قرب رأس السنة، وصديقي العربي يسألني كل أسبوع ومنذ فترة بعيدة لدرجة أنني لا أتذكرها، وكانت بالفعل الإجابة المنجية منه أيضا هي "سأذهب إلى جزيرة القطن" وبصراحة لم أشرح له أين تقع جزيرة القطن ولا ما هي قصتها حتى يزداد الأمر حيرة، وهناك عبرة في ذلك وهي أن السؤال أسبوعي ولن يتوقف إلا مع تكرار هذه الإجابة الغريبة وعدم معرفته بقصة جزيرة القطن سيكون نوع من الملل وتوقف السؤال .. ولكن الغريب في الأمر أن ذلك لم يحدث فمازال السؤال الملح والإجابة الأكثر غرابة وإصرارا "سأذهب إلى جزيرة القطن".
هاتان القصتان البسيطتان الطريفتان الواقعيتان اللتان ذكرتهما لكم سابقا أعتقد مثلهما كثير في حياة كل منا، وأننا نجد كثيرا بعض الزملاء أو الأصدقاء أو حتى الأقارب الذين يريدون أن يعرفوا عنك كل شيء حتى وإن لم تكن تسألهم عن شيء يخص حياتهم أبدا.. شخصيا مرة أخرى كان جاري في السكن القديم (آسيوي) ومن نفس الجنسية أيضا، كان كلما وجدني خارج بمفردي أو حتى أنا وأسرتي يسألني إلى أين أنتم ذاهبون، وإذا وجدنا عائدون من الخارج يسألنا: أين كنتم، وإذا رجعنا متأخرين أين كنتم ولماذا تأخرتم هكذا، وإذا وجدنا عائدون من التسوق يسأل من أين تسوقتم والأدهى والأضل سبيلا أنه في إحدى المرات رآنا في "الأسانسير" نخرج أكياس التسوق فنظر باستغراب ثم سألني بكم تسوقت اليوم؟! –بالمناسبة هذه حقيقة وليست مبالغة - وبالطبع لم أرد عليه.
مع تكرار مثل هذه المواقف من زملاء وأصدقاء من نفس الجنسية عرفت أن الأمر متعلق بالثقافة وعقلية بعض الناس، فكثير منهم يرون أن مثل هذه الأسئلة عادية، ولكننا في مصر وخاصة في صعيد مصر نشأنا وتربينا على عادات وتقاليد منها أن هذه ليست عادية لأنها تتعلق بأمور شخصية، وعيب أن تسأل شخص عنها، كما تربينا على فكرة احترام الآخر وعدم التدخل في شؤون الغير أو كما كانوا يعلموننا ويقولون لنا: "ما تكونش حشري" ، وأعتقد أنها الأفضل والأقوم والدليل على ذلك أنك لو سألت شخصا من هؤلاء "الحشريين" الذين يدسون أنوفهم في كل شيء في حياتك قصدا أو بدون قصد مثل هذه الأسئلة التي يسألها لك فأنه سيتقزز منها ولن يجيبك عليها رغم أنك تراه يسألها لك بكل بساطة وكأنها عادية جدا..
لكي أتخلص من هذا النوع من الأسئلة الملحة والتي ليست من حق الغير بدأت أنني كلما سألني أحد عن هذه الأمور الشخصية أبادر بإجابته بسؤال من نفس النوع ثم ألاحقه بسيل من هذه الأسئلة الشخصية جدا لأجده هو من يهرب من سؤالي أو حتى يهرب مني..
لذا فمن يسألك أين ستذهب في مناسبة ما عليك بإجابته إلي "جزيرة القطن"، ولمن يلاحقك بالسؤال عن أمور شخصية فلاحقه بسؤال مثلها ثم كثف له الأسئلة من هذا النوع.
كل عام وأنتم بألف خير وأتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا خال من المشاكل والمآسي والأوجاع ومن "الحشريين" وأن يجنبنا الله سبحانه وتعالى جميعا شرور كورونا ومستجداتها وما يحاك حولها عالميا.. ولكن نسيت أن أسألكم: أين ستقضون رأس السنة؟