بقلم : محمد الرواس
في عام 2019 م وقبل معرض مسقط الدولي للكتاب بثلاثة اشهر تقريباً كنت أتابع أخبار الفعاليات الثقافية ومعارض الكتب بالخليج ، وحدث أن كثر تداول سيرة أبن ماجد حينها بأحد تلك المعارض ، فعقدت العزم ان اكتب مقالة عن ذلك لكن بعدها قررت ان اكتب بحث مطول وانشره بأحد الصحف المحلية ، فكان ملاذي مكتبة الهيئة العامة للوثائق والمحفوظات الوطنية ، فعكفت عدة أيام بالمكتبة ووجدت فيها ما ابحث عنه من مصادر موثوقة واخترت عنوان «المعلم» للبحث ( فمن ضمن ما لقب به أبن ماجد بجانب أسد البحار، أبن أبي الركائب ، وشهاب الدين ، ومعلم بحر الهند وغيرها ) وأخرجت البحث على هيئة كتيب ، كتبته بأسلوب بسيط وسهل قاصداً من ذلك ان اخاطب فئة الشباب من زوار معرض الكتاب ليتعرفوا على أحدى الشخصيات العُمانية المؤثرة في تاريخنا البحري العريق ، ولأجل ان يجدوا فيه معلومات قيمة بمحتوى انيق وجميل ، وعندما عرضت الأمر على الأستاذ أحمد بن عيسى الزدجالي وافق فوراً بدون تردد في طباعته ، وتكرمت مشكورة مؤسسة مسقط للإعلام بطباعة الكتيب وتصميمه وتوزيعه بمعرض مسقط للكتاب وبعدد الف نسخة تم توزيعها مجاناً من أول أيام المعرض ، كانت سيرة أحمد بن ماجد تحمل في سجلاتها الخالدة تراث بحري عظيم سواء دواوين الشعر التي الفها بطريقة الأراجيز الشعرية ، بجانب احتواها على علوم البحار والفلك وصناعة السفن والبوصلة وصفات الربان ومعرفة البلدان وما يعين البحارة والربابنة ومرتادي البحر لمعرفة مسالك الطرق البحرية في المحيطات والبحار فيكسبهم ذلك السير بسفنهم بكل اطمئنان وأمان خاصة في المحيط الهندي أو بحر الصين أو سواحل افريقيا ، أو البحر الأحمر.
كانت نشأة وولادة أبن ماجد في مدينة جلفار الساحلية (906م-1500م) وهي أحدى المدن العُمانية في تلك الحقبة من التاريخ ولقد ترعرع أبن ماجد بين أيدي ربابة أفذاذ رواد بحر فهو أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك السعدي وعلى أيدي مشايخ تعلم القراءة والكتابة وحفظ القران ، وارتاد البحر وهو شاب مع والده حين بلغ السابعة عشر ، واطلع على علوم الرياضيات والفلك وتعلم لغات مثل الفارسية والتاميلية والسواحلية وكنت تربطه علاقات مع بعض ملوك افريقيا ، وكان فقيهاً وعالماً ورجل صلاح ، فنبغ في ذلك واستمد من والده وجده خلاصة تجاربهم البحرية ، وأضاف عليها وكتب ودون واخترع البوصلة البحرية وأضاف الي الاسطرلاب ، وخط المرشدات البحرية وهو أول من كتب فيها ، هذا بالإضافة الي نثره الشعر بطريقة الاراجيز ( وهي احدى بحور الشعر) والتي كانت تحفظ عن ظهر قلب بين البحارة والربابنة لما تحتويه من معلومات ولكون معظم البحارة لا يجيدون القراءة والكتابة ، وأشهر كتب أبن ماجد خلده لنا التاريخ وموجود بأحدي المكتبات الأوربية الي اليوم هو كتاب الفوائد وله غيره أربعين كتاب ومنظومة أثرت الحضارة الإنسانية ومسيرتها في علوم البحار.
رغم شهرة أبن ماجد الا أنه لم يلتقي بالرحالة المستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما ولم يكن لرجل بذكاء أحمد بن ماجد أن يكشف اسراره البحرية لمستكشف اجنبي يريد ان يفسح الطريق لغزو قادم ، ولم يكن لمثله بتدينه وفقهه ان يجالس ويخالط بحار برتقالي ماجن. ختاماً عندما حضرت معرض الكتاب في العالم 2019م كانت هناك قاعة بالمعرض تحمل اسم أحمد بن ماجد ، وحدث ان القى فيها الدكتور الباحث إبراهيم البوسعيدي في تلك القاعة محاضرة قيمة أثبت فيها ان أبن ماجد وفاسكوا دي جاما لم يلتقيا ، وان ما ذكره البعض من المؤرخين في هذا الشأن هو محظ مغالطة تاريخية ولقد سعدت بهذه المحاضرة كثيرا لتوافقها مع ما كتبت عن أبن ماجد كونه لم يلتقي بفاسكو دي جاما.