بقلم : محمد بن علي البلوشي
هناك إشارة تكررت في بيان ترؤس جلالة السلطان المعظم لمجلس الوزراء الموقر الأسبوع الفائت.. هذه الإشارة حملت دلالات موجهة إلى الفريق الحكومي سواء الذي هو عضو في مجلس الوزراء أو خارجه..الإشارة تقول «على الجهات الحكومية أن تعمل في تجانس وتكامل لتنفيذ رؤية عمان وكذلك التشغيل»..بحيث لاتعمل كل جهة حكومية في واد والأخرى في واد أخر.. في طبيعة العمل الحكومي وغيره يتنافس الجميع مسؤولون كبار أو صغار.. كل مسؤول يحمل صفة مهنية يتنافس لإثبات جدارته..وهذا حق ففي ذلك فليتنافس المتنافسون إن كان ذلك سيؤدي إلى ثمار جيدة وعمل يستفيد منه الجميع..الجميع هنا ينبغي أن يعملوا ويتنافسوا تحت مظلة البلاد لتقديم كل ما من شأنه أن يزيد الوطن رفعة والإنسان سعادة. فكل مسؤول يمارس صلاحياته بحيث لايتجاوزها أحد ولا تتعدى جهة أخرى على صلاحيات جهته أو اختصاصاتها.. التنافس أحياناً قد يؤدي إلى إشعال الصراع أو التعاون كما يقول علماء الاجتماع.ومع ذلك فالتنافس فيما بين الجهات الحكومية لتنفيذ خارطة الطريق المرسومة لها وتجويد خدماتها نتيجته خدمة عمان. أثبتت الأنواء المناخية الأخيرة التي مرت بها البلاد سرعة الاستجابة الحكومية لمواجهة تداعيات الإعصار..فقد تحركت الحكومة بأكملها للتقليل من المخاطر المترتبة على الاعصار واحتواء أثاره بالسرعة القصوى..شركات الكهرباء والمياه والهيئات الحكومية الأخرى ذات اختصاصات الطرق والاتصالات الكل دخل الميدان..أرسلت بلدية مسقط كوادرها ومعداتها إلى شمال وجنوب الباطنة وكذلك بلدية ظفار.لن أتحدث عن دخول القوات المسلحة وشرطة عمان السلطانية لتولي الأمر فهو أمر مشهود لهم منذ اليوم الأول ولولاهم لما استطاعت المؤسسات الخدمية المدنية ان تنجز إزالة الأضرار في وقت قياسي وهو ما أنجزته كل المؤسسات المدنية والعسكرية حتى نتخلص من الآثار المدمرة ..الحقيقة أن الكل عمل في انسجام وتكاملت جهودهم.. بعض الدواعي البيروقراطية تجاوزتها الحكومة لتتجاوز المحنة وتتجاوز استياء الناس من الحواجز السلبية للبيروقراطية..إن ذلك التجاوز لم يصنع خللاً في العمل الحكومي بل أوجدت الدوائر الحكومية مرونة مع جانب رقابي مقنن ومحكم حتى لاتؤول الأمور إلى الإنفلات كما في التعويضات ومن يستحق ومن لايستحق ومن يأخذ المساعدات العينية ويستحقها ومن كان يكدسها..لاتنسوا فالسيئون والإنتهازيون وضعاف النفوس يظهرون في الأزمات ويستفيدون منها..لكنهم أقلية..الأغلبية تتضامن وتنسى ذاتها لتنصهر في المجموعة. حينما تكون الحكومة قوية ومتجانسة وتعمل بنظام صارم وتعلم ماينبغي أن تقوم به تكون النتيجة واحدة..رضى الناس عن الأداء لكنه لن يصل لمستوى 100% لكن المعدل العام للرضا يتضح في وجوه الناس..إن كانت المناشدات كثيرة والالتماسات كثيرة فذلك له دلالة واحدة..أن الأمور في بعض الأحيان ليست كلها على مايرام فيقدم الناس على الشكوى والتذمر فللصبر حدود حتى تستجيب الدوائر الحكومية لحل معاناتهم ..إن جهة حكومية واحدة على سبيل المثال لن تستطيع حل المشاكل دون أن تكون منسجمة مع الجهات الأخرى.وهو ما اتضح في التوجيهات السامية للحكومة.التكامل والتجانس. مايحسب للحكومة الجديدة التي جاء توقيت شاهين «ليمتحنها» تمكنها من تجاوز الإمتحان بجدارة بفاعليتها وقوة استجابتها..وهو مايؤشر أن الجميع يعمل تحت راية واحدة هي رؤية عمان..وحينما سنتجاوز 2024 نستطيع ان نقيم الأداء أكثر وهو مرهون بقدرة كل وحدة حكومية على تنفيذ التزاماتها تجاه الرؤية..الحكومة القوية ينتج عنها عمل قوي..وبخاصة حينما يخلو الفريق الحكومي من الفرق الصغيرة المتصارعة التي تريد أن تهيمن على الكل وبسط سيطرتها لتحقيق أهدافها ونزع المسؤولية عن الآخرين وضمها لهم باعتقاد أن مايفعلونه هو الصحيح.ولذلك كما يتبين فأداء الحكومة حتى الآن يذهب بالإتجاه الصحيح..انتقاد الناس لها أحياناً واقعي وأحياناً يجانبه الصواب.التفاصيل الصغيرة جدا تحتاج إلى التفاتة من الدوائر الحكومية الأصغر في الولايات بينما تبقى مهمة الحكومة المركزية صنع الخطط الكبيرة.ولعل الاجتماع الأخير لنقل المركزية إلى المحافظات سيخفف عبء التفاصيل الصغيرة على مسقط كونها تحتضن الحكومة ومؤسساتها المركزية/وزارات/هيئات وغيرها لتنتقل هذه التفاصيل الصغيرة والهامشية إلى المحافظات..قد يحدث ارتباك في أول الأمر فالتجربة جديدة بعد سنوات طويلة من المركزية الصارمة لكنه سينصهر مع السياق الطبيعي لنقل الصلاحيات مع قوة مركزية ذات رقابة فاعلة ..البلديات باتت تحت سلطة المحافظ وهو أمر جديد.. في السابق كل التفاصيل الصغيرة تعود إلى مسقط مما كان يكلف الجهد والتعب والوقت على الناس للذهاب إلى العاصمة ..كان المسؤولون الصغار يتشددون في أشياء يمتلكون بها المرونة ويستطيعون أن يتخذوا فيها إجراءات من صميم صلاحياتهم.. لكنهم لم يكونوا قادرين على ذلك كما أن المحافظ لم يكن ليملك صلاحية أو فرض قرار عليهم فتضيع المطالب في العاصمة وتأخذ شهورا من الرسائل المتبادلة والردود..اليوم يتيح الهيكل التنظيمي للمحافظات صلاحيات أوسع ومهمة وقد تتوسع مستقبلا وهو مايتطلب منه تفعيل المجلس البلدي ليكون أقرب إلى هيئة تشريعية ورقابية مساندة تعمل بانسجام مع المحافظ/المحافظة/فقط ليكون الهدف تحقيق النهوض القوي بعمان المستقبل..لكن ذلك ينبغي أن يكون ضمن حكومة قوية منسجمة دون صراعات ضمنية في الصلاحيات..الحكومة القوية ذات الشفافية تعني كذلك أن الناس قادرة على التعاطي معها بإيجابية.