بقلم : محمد بن علي البلوشي
مررنا بامتحانات عدة من الأنواء المناخية فما أن تمر السنوات إلا وتعبر علينا زائرة أو مهاجمة منخفض أو عاصفة أو إعصار..هذه الهجمات المناخية على مرور دورات الزمان خبرناها..فبتنا أكثر خبرة وتعاطياً معها، يقولون التجارب تصقل المهارات ونحن عصفت بنا هذه الأنواء المناخية فأصبحنا أصحاب خبرة تراكمية ونستطيع أن نقول كيف سنتعاطى معها إن اقتربت وبعد أن ترحل.
جونو شكل وعي الناس الحديث عن الأعاصير لوجود إعلام مسموع ومرئي تصل رسالته إلى كل منزل ووجود أجيال متعلمة تدرك معنى كلمة إعصار أو عاصفة وتأثيراتها فتستوعب التنبيه الذي تصدره الجهات المختصة.. إلى الإعصار شاهين في شمال البلاد إلى العواصف والأعاصير الاخرى في جنوب البلاد كل ذلك أوجد نوعاً من القدرة الكبيرة للتعامل مع هذه التحولات الطبيعية التي يبدو أنها ستكرر زياراتها لنا من بحر العرب أو بحر عمان.على ذلك لنكن مستعدين لها.
تستيقظ فجأة فتجد منزلك قد داهمته بغتة أودية جارفة.. حامت بداية حول الجدار فخر ساقطاً دون مقاومة تذكر فذهب مع المياه..تصبح بلامأوى كمشرد ألقته الأقدار في الشارع..تستمع للأخبار أولاً بأول فترى النهار والليل طويلاً..تسترجع ماضي اليوم السابق..تتمناه ولو وهلة ان يعود.. والريح عاتية يصر صوتها على نوافذك وابوابك.. كل ذلك سيمر إن كانت الكهرباء موجودة لكنها مقطوعة فتزداد المعاناة وتقل مقاومتك وترضخ للاحباط.هنا ستحاول أن تنجو بنفسك أولا ثم مالك .هذا ماشعر به الكثيرون ممن عاشوا قوة الأعاصير ومداهمتها المفاجئة..هل تستطيع أن تنام وباب بيتك قد اقتلعته الرياح أو يخضع لصيانة وتنتظر متى يأتي العمال لتركيبه..هنا تشعر أنك بلا مظلة وانك مكشوف امام العالم في الأوقات العادية فتتمنى مرور الساعات وعبور الوقت لتركيبه لتصبح مطمئنا.. في الأوقات الاستثنائية فإن الطبيعة تفرض شروطها وليست شروطك..فارضخ لها مرغما..فماذا عن من وجدوا أنفسهم بلامأوى أو غمرت المياه منازلهم واكتسحت كل شيء يملكونه في الدور الأرضي الذي يشكل عصب الحياة المعيشية للأسرة فهو يضم مقاعد الجلوس والأجهزة الكهربائية والمطبخ. العصب الثاني هو الدور الثاني ترفيهي وللسبات.
نحن نمر بهذه الاختبارات كل عدة سنوات وآخرها هذا الاختبار الصعب الذي قفز من بحر العرب إلى بحر عمان وتحول إلى شمال الباطنة ويعتبرها أصحاب العلم والفلك والمناخ أنها من النوادر الطبيعية.نعم وعينا الحديث على ذلك هو الأمطار..امطار الخير وامطار الرحمة..وهنا حمدنا المولى عزوجل على ذلك ورضينا بما قدر وشاء وفعل مما يخفف من حجم الصدمة على ماأصابنا..فالمشاهد مروعة، المياه والفيضانات تتجول في القرى وتكتسح كل شيء أمامها.. تمر هذه الأودية في مجاريها بسلاسة بما أن أحد لم يعتد على إحراماتها ولم ينتهك مسارها ومع ذلك فإن الفيضانات تبقى فيضانات وقوة الطبيعة لاطاقة لبشر لتعطيلها لكنهم يستطيعون تقليل خسائرها البشرية والمادية.
حتى الآن كان التعاطي الرسمي الحكومي مع هذه الأنواء المناخية مرضيا جدا وناجحا وفعالا..لعبت خبرة الحكومة دورا في احتواء التداعيات قدر الامكان من سرعة عودة الخدمات الأساسية بين يوم إلى ثلاثة أيام أو حتى 5 أيام فنحن امام إعصار حقق أهدافه.
من الأهمية بمكان للناس ان يتفهموا ان مراكز الإيواء مهمة لهم حتى لايتضرروا كثيرا لكنهم أحيانا يقررون عدم مغادرة منازلهم ..تتمسك الناس بخصوصيتها في منازلها..لكن ذلك يسقط عندما يصبح الخطر على النفس وشيكا فتلجأ السلطات لمناشدتهم بالتوجه إلى مراكز الإيواء..والمعمول به حاليا ان الحكومة لاتشد إلى درجة الإجبار على ترك الناس لمنازلهم فهي تفضل أن يأتوا بإرادتهم وتفهمهم للمخاطر على أرواحهم ..النفس أولا ثم المال.وتعلمنا هذه التجارب أن المناشدات والإستماع إلى التوجيهات الرسمية بالتوجه إلى مراكز الإيواء ضرورية ومهمة جدا ولايمكن الترفع عنها لمجرد الرغبة في تفضيل الخصوصية بالبقاء في المنزل .لا أحد يفضل أن يجلس في مركز إيواء على منزله فهي مملكته وتعود عليه..لكن لكل حادثة أحكامها وظروفها.
بعض الدروس المستفادة أن السدود مهمة ودراسة طبيعة السهل ومجاري الوديان والطريقة التي فاضت بها مهمة جدا.نحن لن نخترع العجلة فبفضل العلم والتقنية أصبح كل شيء متوفرا من بيوت الخبرة المحلية إلى بيوت الخبرة العالمية إلى التجارب العالمية وتجارب الدول في مواجهة الأعاصير وتصريف مياه الفيضانات بالحد الذي يمكن أن يقلل من مخاطرها على البشر وممتلكاتهم والبنى الأساسية العامة..كما أن على الجهات الحكومية الخدمية الأخرى أن تعيد النظر في إحرامات الأودية التي وضعت بها المخططات السكنية وتلافي ذلك مستقبلا وبناء احرامات أخرى حفاظا على هذه الطبيعية ومملكتها المتمثلة بمجاري الأودية التي تعرضت للاعتداء في السنوات الأخيرة كما لم تراع الطرق ذلك فحدث أن اعترضت الطرق مسارات الأودية دون وجود انسيابية لها فدمرتها.
هذه الخبرة مع الأعاصير والعواصف توفر لنا طريقة التعاطي الصحيحة في تشييد البنية الأساسة والحد من تأثيراتها المدمرة.
كذلك صاحب توزيع المؤن للمتضررين نداءات وتذمر بأحياء سكنية لم تصلها المؤن منذ أيام وبخاصة للذين فضلوا البقاء في منازلهم واعتقدوا انهم في مأمن من الإعصار..هذه كلمات ليست لإلقاء اللائمة على أحد -هي تعطينا دروسا في كيفية التصرف المنضبط والمنظم في مثل هذه الظروف الصعبة..تقسيمات المنطقة أو الولاية من قرى واحياء معروفة للجهات المدنية والعسكرية من مداخلها ومخارجها وعدد النفوس فيها..من المهم اخضاعها في أوقات الكوارث المناخية إلى قطاعات لضمان التنظيم وعدم العشوائية وسرعة عودة الخدمات الأساسية وسلاسة توزيع المؤن ووصولها للجميع عوضا عن بقائها لساعات أو أيام حتى تصل للحالات «المقطوعة عن العالم» ..فتستطيع الجهات المختصة أن تنظم الحركة منذ اول يوم لها.
كان من الممكن كذلك تلافي الضحايا في الأرواح ومع ذلك فبحجم القوة التي مر بها الإعصار فإن العدد -وإن كنا لم نتمناه-نقول الحمد لله ورحمهم الله-وعلى الناس كذلك أن يتحلوا بالوعي وعدم المجازفة.وأشدد أن وعينا المتقدم حول هذه التغييرات المناخية يمنحنا حصانة قوية للحفاظ على سلامتنا وسلامة أنفسنا.في مثل هذه الاحداث الجسيمة تبقى مهمة المؤسسات الخدمية وإمكانياتها هي توفير الخدمات اليومية في الظروف الطبيعية العادية ..اما في الظروف القاهرة فلا طاقة لها دون إسناد من المؤسسة العسكرية..وهو امر ليس في عمان بل في معظم دول العالم..فمواجهة الأعاصير وتداعياتها بعد أن ترحل هي قدرة تمتلكها المؤسسات العسكرية التي هي اشبه في حرب قد تمتد لشهور أو حتى سنوات.ولذلك لم يكن غريبا على قوات السلطان المسلحة بكل تشكيلاتها أن تدخل الميدان وتتولى الأمر وتساند المؤسسات الخدمية المدنية بكل ثقلها المعنوي واللوجستي..حفظ الله عمان وجلالة السلطان.