بقلم: محمد محمود عثمان
أسواق العمل تترنح بعد أن أصيبت بالعقم في الأداء وضعف الفاعلية وتفشي السلبية منذ أن بدأت جائحة كورونا ، وفقدها للمميزات النسبية التي كانت تتمتع بها من حيث رخص وتوافر الأيد العاملة الفنية القادرة على العمل وتحسين الإنتاج وإن كنت أرى أن البعض اجتهد وفق رؤية محدودة ، ولكنها لم تنجح كاملا في تحقيق كل الأهداف التي تسعى إليها - وهى تظن أنها كانت تحسن صنعا-فمثلا عندما فرضت سلطنة عُمان في رؤيتها لتوفير فرص العمل للمواطنين قيودا للحد من الأيد العاملة الأجنبية الوطنية من خلال رفع قيمة رسوم مأذونيات العمل لتصل إلى أرقام قياسية بدون مرعاة العواقب لهذه الإجراءات التي لها عدة جوانب إيجابية نظرية لزيادة الموارد المالية ،وأخرى سلبية عملية تسببت في الاستياء من هذه الإجراءات من قبل رجال الأعمال والقطاع الخاص وقياداته وممثليه في غرفة التجارة والصناعة والتي لم تنجح في تعدييل أو تاجيل هذه القرارات، خاصة مع الشلل شبة التام الذي ضرب كل القطاعات بوجه عام ، وتحميل شركات القطاع الخاص - كبيرها قبل صغيرها - أعباء إضافية باهظة فوق طاقتها أدت إلى زيادة الخسائروزيادة التكلفة التشغلية وارتفاع الأسعار وبما يضعف فرص العمل في الداخل ويؤثر على تنافسية الصادرات في الخارج، في ظل تعثر البعض أو التصفية والإفلاس، وكلها مؤشرات سلبية ، تخالف التوجهات الجادة التي تبذلها الدولة لجذب المزيد من الاستثمارات ، ونخطيء إذا اعتقدنا بأن المتضرر الأكبر هي الشركات الصغيرة أو المتوسطة فقط ، لأن الشركات الكبرى أصابها الضرر أيضا،وقد نتج عن ذلك بعض السلبيات التي سلبت جوهر ومضمون هذه القرارات ،بعد قيام بعض الشركات بالتهرب من تحمل هذه التكاليف - بعيدا عن رقابة أوعيون وزارة القوى العاملة - بالتحايل بتحميل الأيد العاملة الأجنبية تكلفة رسوم المأذونيات المبالغ فيها لضمان استمراراها في العمل، ومن ثم عدم تحقيق الهدف الأساسي من زيادة الرسوم وهو إتاحة فرص العمل أمام الأيد العاملة الوطنية ، لأنها تتعارض مع اتجاهات العولمة واحتياجات الشركات العابرة للقارات، وتضعف التنافسية الاقتصادية ،ومن ثمك تُفقد السوق جاذبيته أمام المستثمرين الأجانب والمحليين الذي يهربون إلى الأسواق المجاورة، ومعهم الأيد العاملة الوافدة منخفضة التكاليف التي اكتسبت خبرات ومهارات في أسواق السلطنة ،ويؤثر غيابها أوتقلصها سلباعلى الناتج المحلي وعلى حركة الأسواق التجارية التي تعاني من شح وندرة المستهلكين والمتعاملين ،التي أثرت على دورة الاستهلاك وانخفاض القوى الشرائية في الأسواق التجارية والعقارية التي تسجل الأسوأ منذ سنوات طويلة، ولسوف تمتد مع امتداد تأثيرات جائحة كورونا ،خاصة أن هناك استثمارات جُمدت وقروض تعثرت وإنشاءات توقفت أو تعطلت، لأن حجم الكثافة السكانية من عناصر جذب المستثمرين وتؤثر على المصداقية والمركز التنافسي للسلطنة في المنطقة وفي العالم ،ولعل ذلك يدعونا إلى مراجعة سياسات الحماية للعامل الوطني لتوفير فرص عمل عن طريق زيادة تكلفة العامل الوافد ، باعتبار أن فرص العمل الحقيقية ستكون في الاستثمارات وفي المشروعات وفي الشركات الجديدة والصناعات العملاقة والحركة التجارية النشطة ،لذلك لابد من الدراسة الذكية للبيانات والإحصاءات التي توضح بجلاء وشفافية عدد الوظائف التي استفادت منها القوى العاملة الوطنية ، والأرباح أو الخسائر التي جنتها أسواق القطاعات الاقتصادية وتقييم ذلك لمراجعة القرارات وتصحيحها عندما يلزم الأمر لسرعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهناك تجارب نلمسها من الواقع وهى أن المبالغة في الرسوم مثل المبالغة في العقوبات قد تشجع البعض على مخالفة القانون أو رد الفعل العكسي للقرارات ومقاومتها، وبالتالي يكون العائد هو تقليل فرص العمل بدلا من نموها. وذلك يدعونا إلى أهمية توخي الجوانب السيكولوجية والاجتماعية عند إصدار القرارات والتشريعات والتعرف على انعكاساتها على قطاعات المجتمع الأخرى ، للتخفيف من تأثير القرارات الفردية المتعدية على القطاعات الأخرى لأن الحقيقة الثابتة أمام الجميع أن القطاع الخاص يعاني ولسوف يظل يعاني ولفترات قادمة من آثار كورونا الكارثية والممتدة لعدة سنوات ،تفاديا لحدوث هزات عنيفة تؤثر على العمل والإنتاج والتوظيف وعلى أنشطة القطاع الخاص بشكل عام،وتجنبا للمزيد من الخسائر، علينا ألا نترك سفينة القطاع الخاص تغرق أمام أعيننا وبأيدينا بمن فيها ومن عليها ، وأن تسعى ونعمل على إنقاذها و إصلاحها وتعويمها ، لتؤدي دورها في التنمية المستدامة ، وإذا كان الحال كذلك فإن الأمر يحتاج إلى مبضع جراح اقتصادي متمكن لإعادة تقدير الرسوم أوالضرائب،بما يتوافق مع احتياجات وظروف القطاع الخاص ومتطلبات المجتمع في هذه المرحلة ،لذلك أحرى بنا - في الوقت الراهن- أن نتخلي عن الإجراءات السلبية وبعض القرارات التنظيمية التي قد لا تتناسب الآن مع إمكانيات القطاع الخاص أو الواقع المفروض عليه والأوضاع الاقتصادية السائدة،التي نشهرها- بدون قصد - في وجه جذب وتوطين الاستثمارات وضد انتعاش الاقتصاد الذي يتضررانكماشا وتراجعا وتأثرا أيضا بأسعار النفط، ومن هنا لا مناص من تقديم حزمة من المحفزات الدافعة التي تعفي القطاع الخاص من كل هذه الزيادات والضرائب ومن أعباء القروض لخمس سنوات مقبلة وهو ما أشرنا إليه في مقالات سابقة أملا في النجاة.