بقلم : خالد عرابي
أتذكر أنني في إحدى المرات وتحديدا في أحد المواقع الاخبارية قرأت خبرا طريفا مفاده أن أصحاب مزارع إنتاج البيض في كندا يسعون للعمل على توفير ظروف أفضل للدجاج في المزارع ، فهم يعملون على توفير وسائل من الراحة والحياة السهلة والسلسلة بالنسبة لهم، وأن هذا الأمر يبدأ من خلال استبدال الأقفاص القديمة المغلقة للدجاج بأخرى مفتوحة، تتوافر فيها ظروف أكثر راحةً، تشعرهم بأجواء من الراحة و الانطلاق.
وذكر الخبر في ذاك الوقت أن هذا الإجراء وهذا القرار الذي أتخذه أصحاب مزارع الدجاج الكنديين جاء نتيجة شعور أنساني بحت، وأنه جاء من قبيل إعطاء الحرية للدجاج أولا، وتوفير بيئة آمنة ونظيفة ومريحة بالنسبة لها ثانيا، كما أنهم وكما أعلنوا لم يقوموا بذلك استجابة لضغوط من أحد سواء من شركات الأغذية أو أصحاب المطاعم أو حتى بعض الأفراد والجماعات الضاغطة التي قد تطالب بمثل هذه القرارات أحيانا من قبيل الرفق بالطيور، وإنما يقومون بذلك من أنفسهم ووفقا لوازع شخصي وإنساني بحت ..
وهنا وأيا كان الوازع والأسباب وراء القيام بذلك الفعل السابق وهو "توفير الراحة للدجاج أو لنسمه منح حقوق الدجاج " كان لابد لي من وقفة وكبيرة مع ذاتي للتأمل فيما حدث وفي هذا الخبر، وذلك ولو من قبيل المقارنة فقط - مع الفارق الكبير- فقد جال بمخيلتي كم من أناس في مجتمعاتنا العربية وخاصة في بعض الدول التي تعرضت لمشكلات وخاصة في ظل ما أطلقوا عليه زورا "الربيع العربي" وتعرضهم لظروف سياسية أودت بها وبكثير من أبناء شعوبهم إلى هاوية سحيقة فأضحوا كما الدجاج ولكن المتكدس في الأقفاص المغلقة وليس كما الدجاج الكندي - المحظوظ-، وكم من أناس من بني البشر - أي بشر من لحم و دم - في بعض بلداننا العربية يعانون الأمرين من ويلات الحياة ، فهم لديهم مشكلات ومعضلات كبرى، حيث أنهم لا يمكنهم حتى الحصول على ما يجعلهم يحافظون على حياتهم من مياه أو من مأكل أيا كان نوعه ومن مياه نظيفة وغير ملوثة أو من جرعة دواء تعالج أمراض معضلة ترهق أجسادهم النحيلة بالآلام المبرحة التي تؤرقهم وترقهم بالنهار وتقض تومعم ليلا، وليس بالبحث فقط عن الحرية لكي تبقى الأقفاص مغلقة وغير مفتوحة ليحصلون على راحة الدجاج .
الأمر الآخر الذي أتعجب له و يزعجني كثيرا ولا أستطيع أن أجد له تفسيرا أن كثير من تلك الدول التي تتفاخر بأنها تحافظ على حقوق الحيوان أو الطيور وحتى الدجاج، والتي تلهث في شكل دراماتيكي وراء شاب عربي أو فتاة عربية تستقطبها وتتاجر بقضيتها لتصور للعالم أنها مع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المصطلحات الرنانة والقضايا البراقة التي تتاجر بها، لا يتحرك لها ساكنا وهي ترى الأطفال والنساء في شتى بقاع عالمنا العربي تتلوى أجسادهم من آلام حاجة بطونهم ومن ألم الفاقة والجوع وعلى سبيل المثال وليس الحصر في الصومال واليمن وسوريا وفلسطين وغيرها، بل وتتعرض حياتهم ووفقا للتقارير الدولية - التي يصدرها هؤلاء- للموت بسبب ذلك، ومع كل ذلك لا يجدون ساكنا يتحرك..
لكن ينبغي أن أشير إلى أنه وقبل كل هذا وذاك وقبل أن نلوم على الآخرين لابد وأن نلوم أنفسنا ، ففي كل الأقطار العربية التي حولنا والتي تعاني من مثل هذه الويلات ونرى في أجهزة التلفاز ونرى ونسمع ونقرأ كل يوم عن أناس بها يعانون ، لم يأت ذلك من فراغ ولا ولا بسبب المكائد ولا تدخلات الآخرين فقط ، وأنما من أنفسهم وبسبب أعمالهم "من أعمالكم سلط عليكم".. أليسوا هؤلاء أنفسهم من أوصلوا بلادهم إلي هذه المستويات من التناحر والدمار؟! .. أليسوا هم أنفسهم الذين هانت عليهم بلدانهم وأوطانهم وفرطوا فيها فهان كل شيء؟! .. أليسوا هم الذين هانت عليهم أنفسهم فهانوا على الآخرين؟!...
إننا كعرب إذا ما ظللنا نناقش قضايانا بهذا المنطق وبهذه النظرة الضيقة، وأن كل ما يحكمنا هو منطق المصالح الشخصية الضيقة وليس مصلحة الضمير والوطن، وإذا ما ظللنا ننظر للآخر وخاصة الغرب بنظرة الدونية فسنظل في هذا المستنقع من ضياع حقوقنا كبشر وبني آدميين بينما الآخر والغرب الذي نتحدث عنه يتحدث عن حقوق الحيوان والطيور وحتى الجماد دون أدنى نظرة لنا.. لأننا بكل بساطة لم ننظر لأنفسنا.