بقلم : محمد بن علي البلوشي
ذكر الادعاء العام الناس بالقوانين والعقوبات حول «الكتابات المسيئة والشائعات المثيرة ونشر الأخبار المتضمنة إسناد أفعال جرمية ونسبتها إلى أفراد أو مؤسسات»في وقت يشحن الناس فيه بعضهم بعضا على «الحكومة» وكأنهم باتوا لايطيقون أن يسمعوا منها شيئا فكأنها تمارس الكذب عليهم .أحدثت الخراب بالرغم من قصر عمرها والتحديات التي تواجهها..المتشائمون سيفسرون الأخبار المفرحة بأنها ذر للرماد على العيون أو سيفسرون الصدق والشفافية بأنه تزوير معنوي ..سينظرون لها بزاوية سوداوية خلافا للوقائع والحقائق فالبعض يتجنب تصديق شيء جيد فيميل إلى استغلال «حرية التعبير عن الرأي» وتحويلها إلى قبح مشؤوم.
الجميع كما ظهر انزعج من البيان الذي ذكر فيه الادعاء العام الناس بالخطوط الحمر وحدود حرية التعبير .. في وقت تضج فيه البلاد بـ»حرية التعبير والرأي» والإتهامات المتبادلة والتخوين وغير ذلك من كل الكلمات التي يمكن أن يطلقها محام متمرس على متهم.
قد نجد بعض التبرير لمايحدث..ففي السنوات الاخيرة اختفت المؤسسات/رقابية/إعلامية/ التي كان بالإمكان أن تؤدي دورها في الرقابة على الأداء الحكومي وأصبحت جملة واحدة تهدف إلى التنبيه تثير انزعاج السلطات فشعر الرأي العام أنه «مغيب» عن ذلك وأن الكلمة تزعج الحكومة..فبات يتوق إلى الكلام..وحينما فتحت قناة الكلام تدفق فيضان هادر من الصخب وكأن الحظيرة فتحت وبدأ الجميع يجري مهرولا دون أن يعرف إلى أين يتجه ونسي الهدف...تمخض عن ذلك موجة عاتية من الهرج والمرج تكتسح الشارع عبر الفضاء الافتراضي..السؤال إذن: هل تتحمل الحكومة ثمن ذلك؟ نعم كثيرا ..تمر بعض المجتمعات التي تخضع نشأتها لظروف من القيود الإجتماعية بمراحل مبنية على التدرج المسؤول في منح الصلاحيات للمؤسسات الرقابية حتى تنضج..لكن ذلك تراجع في السنوات الاخيرة وهو أمر لايمكن الجدال فيه؟.
ومع ذلك:هناك المواطن العاقل أو الواعي والذي يمتلك بضاعة جيدة في الفهم والتحليل قد يلعب دورا إيجابيا في التنوير والمساعدة في دحض التذمر والسوداوية لكن حينما يتحول الأمر لمجرد المناكفة وتسجيل المواقف التي بناء عليها نحظى بالمؤيدين فذلك يعني الشحن الناعم للأحداث والتي تعدم الشعور الإيجابي وتولد شعورا سيئا على مسيرة العمل الوطني.
تذكرني بعض فوضى الأراء- ولا أقول كلها- فهناك ماهو واقعي وحقيقي ويؤدي قوله الغرض من الفكرة وهو التنبيه على الجهات المختصة في أداء عملها /خدمات/حالات إنسانية/قصور/..يذكرني بمايحدث في بعض الاماكن ليس كل شيء جميلا..كلمة من هناك بات الناس يترصدون لها فيحملونها ألف تفسير ومعنى بل تصل إلى حد التضايق منها..هل ياترى يستحق كل ذلك.وكأنني ببعض الكلمات تجرح -مجازا-الشعور الشعبي أو الوطني أو الشعور الإجتماعي أو العقائدي..لكن ذلك لايمت بصلة ..فقط الناس تستمريء التجاوب مع الموجة العامة فتدخل في غمارها..ووسط الهيجان الوهمي العام تضيع الأصوات العاقلة في زحمة ملايين الكلمات.فالكل يحق له أن يصدر صوتا..لكن الصوت النشاز الخالي من المسؤولية والواقعية والمبني على اوهام لاينبغي السماح له بذلك. وفي الوقت الحالي انحرفت حرية التعبير إلى «فوضى الكلام» وزراعة الوهن والتشاؤمية والشتيمة والصراخ ..من حق الجميع ان يعبر عن فكرته..لكن في الواقع ان مايحصل حاليا في العموم هو أن أكثرها اتهامات وليست أفكارا بل وليست تنبيها إن كان الحديث ضمن نسق مراقبة الأداء العام.
لنفترض التفاؤل..قد مايمر حاليا من موجتين الاولى» النقد البناء والواقعي» والموجة الثانية «تزوير السخط والوقائع» مخاض سيفرز الصالح من الطالح بعد أن تتراكم التجربة وتصبح الأراء أكثر مسؤولية وتبتعد عن «السطحية».
لقد امتلأت الأيام بالسطحية الضخمة وبات كل أحد يوجه الدولة لأين ينبغي أن تمضي وطريق الصواب فكل مايقوله احدهم صوابا في فهمه واعتقاده وذلك من حقه إن كان رأيه لايؤذي النظام العام أو يؤدي للتحريض..في هذه المنطقة وهذه التركيبة من المجتمعات فإن مفهوم الدولة المركزية القوية أمر مهم جدا والشفافية للرأي العام مهمة كذلك لكن بحيث لاتؤدي إلى الفوضى ومايصحبها من هيجان..الحكومات المركزية القوية ضرورة مهمة ولها علاقة بكيفية إدارتها -بالامانة والمصداقية - لمجتمعات أو تجمعات بشرية استهلاكية غير منتجة.لاتوجد قاعدة لذلك لكن الثابت أن «لاتدع الفوضويين يثبطون العزائم».
عندما ستكتب: «اللصوص كثر في الشوارع ويقودون السيارات الفارهة ويتنعمون في قصورهم من سرقة «المال العام» فلماذا نحن متأخرون عن معاقبتهم» سوف تحظى بالآلاف من المؤيدين والمريدين. وحينما ستكتب»الجاهلون يمكن اقتيادهم بسهولة فهم سطحيون ويفتقرون إلى الحقيقة والحكمة وهؤلاء لانفع معهم إلا الصرامة القانونية والطريق القويم لتبني منهم عقولا شديدة المرأس تعلم متى تسير في الطريق القويم» فسيمر ذلك ولن يلتفت له أحد».. الناس أحيانا يميلون إلى تصديق الكذب.