تقليم أظافر نخبة الهند

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/يناير/٢٠١٦ ٠١:١٥ ص
تقليم أظافر  نخبة الهند

سانجيف, سانيال,

مضى أكثر من عام ونصف منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة على وعد لبناء هند جديدة تقوم على قطيعة جذرية مع الماضي. وإذا كان من السابق لأوانه تقييم أثر سياسته الاقتصادية والخارجية، هناك حقل تحرز فيه حكومته تقدما ملموسا: تأديب النخبة الراسخة في الهند.
يبلغ عدد سكان الهند 1.2 مليار نسمة، ولكن منذ فترة طويلة تهيمن عليها نخبة صغيرة: بضع مئات من الأسر الكبيرة، بلغ مجموعها بين 4000 و 5000 شخصا. العديد من الدول لديها نخب قوية ذات نفوذ هائل، ولكن في الهند، النخب والأسر السائدة تسيطر على المناصب العليا في كل مجال من مجالات الحياة العامة: السياسة والأعمال والإعلام، وحتى صناعة الأفلام الهندية بوليوود.
العديد من هذه الأسر المؤثرة لها جذور تمتد إلى عهد الاستعمار، أي ما لا يقل عن سبعة عقود من الهيمنة. وللحفاظ على هذا النظام البيئي للسلطة تستخدم هذه الأسر كل أنواع النفوذ - من العقود الحكومية والتراخيص الصناعية إلى الجوائز الوطنية.
مع مرور الوقت، تنصهر علاقات المحسوبية والزواج في طبقة مميزة، تتركز في وسط نيودلهي، مع عدد قليل من الجيوب في مومباي وأجزاء أخرى من البلاد. و لهذه الأسر عالمها المشترك: يرسلون أبناءهم إلى المدارس الإنجليزية، ويملكون منازل للعطل في غوا، ويقضون الصيف في لندن أو سويسرا. في بعض الأحيان، يتم قبول وجوه جديدة، ولكن فقط إذا كانت لا تتعارض مع استمرار النظام.
وكما هو متوقع، النتيجة هي خلق فئة لها شعور قوي بالاستحقاق وترد على التحديات ولو كانت بسيطة عن طريق إغلاق الأبواب، وتتباهي بقوتها في كثير من الأحيان (عادة ما يستعملون هذه العبارة: "هل لا تعرف من أنا؟") حتى أن أولئك الذين لا" ينتمون" لهذه الطبقة في بعض الأحيان يستعملون عبارات مماثلة كخدعة في محاولة للخروج من متاعبهم.
أقوى ضربة رمزية وجهها مودي إلى العهد القديم تتمثل في طرد مسؤولين بارزين سابقين من مئات البيوت الحكومية كانوا يحتلونها في دلهي. وكان عدد قليل فقط من شاغلي هذه المنازل الرسمية المترامية الأطراف لهم الحق في السكن فيها. في بعض الحالات، كانوا يسكنون هناك لأجيال. وعندما تواجه بأوامر الإخلاء، تجادل بعض الأسر أن هذه المساكن أصبحت بمثابة نصب تذكارية لأسلافهم و بالتالي ينبغي السماح لها بالعيش فيها.
ويتجلى التغيير الأكثر وضوحا في التصعيد المفاجئ في الاتهامات الجنائية - من بينها الفساد والجرائم الجنسية - التي رفعت ضد أفراد من النخبة القديمة. وداهمت السلطات منازل عدد من كبار موظفي الدولة مؤخرا كجزء من التحقيقات حول الفساد، وقد وجهت اتهامات خطيرة بالتحرش الجنسي ضد كبير حماة البيئة في الهند، راجندرا باشوري، الذي ترأس فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي حول تغير المناخ عندما تلقى جائزة نوبل للسلام.
وفي الوقت نفسه، بدأت البنوك تطالب السداد من المقترضين الكبار الذين اعتادوا تأجيل دفع قروضهم. ويجري التحقيق مع فيجاي ماليا، وهو رجل أعمال مشهور بأسلوب حياته اللامعة وسلسلة من المشاريع الفاشلة، باعتباره أحذ المتخلفين المتعمدين.
أغلب هذه التدابير لم تخطر بالبال حتى قبل بضعة أشهر. ولا محالة أن هناك من يتهم الحكومة بتنفيذ عمليات ثأر سياسية. في 19 ديسمبر، اضطرت سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر، وابنها راهول غاندي، نائب رئيسة الحزب، المثول أمام المحكمة بتهمة الفساد. ردا على ذلك، كثف نواب حزبهما الاحتجاجات الشيء الذي أدى إلى توقف العمل التشريعي لعدة أيام. بعد ذلك تم الإفراج عن الاثنين بكفالة وبسرعة.
القضية المرفوعة ضد غاندي - فضلا عن العديد من التحقيقات الأخرى رفيعة المستوى - من المرجح أن تستمر لسنوات. وبطبيعة الحال، في بعض الحالات المتهم سوف تتم تبرئته. ولكن حقيقة الأمر أن التحقيق والبحث مع أعضاء من النخبة القديمة يشكل تقدما ملموسا لا يمكن إنكاره في بلد كانت النخبة تتمتع فيه بالإفلات من العقاب.
بقي أن نرى ما إذا كان مودي قادرا على ترسيخ هذه المكاسب، إذ يمكن للنخبة أن تكون مرنة بشكل ملحوظ، مع الإبقاء على قوة الرد في أول بادرة من الضعف. التاريخ - من فرنسا ما بعد الثورة إلى تايلاندا الحديثة - قد أثبت مرارا وتكرارا أنه من الخطأ التشطيب على المؤسسة القديمة.

خبير اقتصادي ومنظر حضري، والاستراتيجي العالمي لدويتشه بنك حتى أكتوبر 2015.