بقلم: محمد محمود عثمان
ليس كل ما يتمناه العمال يدركونه في ظل كورونا وتداعياته الكارثية على العمال العرب منذ شهر مارس 2020 وحتى الآن ، في ظل مؤتمرات العمل والمشاركات الديكورية لأطراف وسائل الإنتاج الثلاثة ، خاصة أن الجميع انتظر انعقاد مؤتمر العمل العربي في دورته الـ 47 بالقاهرة الأسبوع الفائت بحضورعدد كبير من وزراء العمل العرب ، والذي خصه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برعايته مشيرا في كلمته الافتاحية إلى أهمية الجهود التي تتخذها البلدان العربية للحد من تأثيرجائحة كورونا على بيئة العمل والحفاظ على حقوق ومكتسبات جميع العمال ورعاية مصالحهم - والغريب أنها كانت هى الإشارة الوحيدة في المؤتمرإلى حقوق العمال في ظل كورونا - وهذا الحضور لكبار المسؤولين دليل على أهمية المؤتمرخاصة ما يتعلق بالعمال والمسرحين والتعطل عن العمل لأن الأحداث الكارثية التي لحقت بالعمال العرب لم تشهدها الساحة العربية من قبل من حيث عدد العمال المسرحين من القطاع الخاص بمباركة بعض الحكومات وتوجيهاتها ، بل وإصدارها للتشريعات التي أهدرت دم العمال لصالح الشركات ،التي استغنت على الفورعن أعداد كبيرة استنادا إلى توجهات الحكومات، مما فاقم مشكلة التعطل عن العمل ،إضافة إلى مشاكل الباحثين عن عمل المتراكمة ، والتي تمثل النار تحت الرماد والتي تعد من أخطر المشاكل العمالية التي تؤرق الحكومات ، ومن المؤسف أن قضايا العمال غابت تماما عن أروقة مؤتمر العمل بالقاهرة والمسؤولين عنه ، ومنهم رؤساء الاتحادات العمالية العربية والأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، حيث ركزالمؤتمرعلى ملفات تقليدية لريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والطريق نحو التنمية المستدامة والتمكين، ونشاطات وإنجازات منظمة العمل العربية خلال عامي 2019 - 2020، ومتابعة تنفيذ قرارات مؤتمر العمل العربي، وهى أجندة لم تعبرعن الواقع أو تستشرف المستقبل حيث أغفلت تماما وضع العمال العرب المزري خلال جائحة كورونا ،خاصة أن منظمة العمل الدولية قد نبهت في تقرير لها إلى أنه بسبب جائحة كورونا، سيخسر العالم ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين في الدول العربية ، وتوقع المنظمة إلى تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كـوفيد-19، خاصة بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي- التي تكررت - في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير على نحو 2.7 بليون عامل في العالم ، إلا أن المؤتر تجاهل تماما كل هذه البيانات والمؤشرات، وابتعد كليا عن مجرد حتى الإشارة إلى وضع العمال في البلاد العربية التي ينعقد من أجلها ولم يعرض المؤتمر أي تجارب للدول التي حاولت احتواء ازمة المسرحين ،ولم يذكر أي إحصاءات حول العمال المتضررين والمشاكل التي يتعرضون لها بعد عجزهم عن مواجهة التزماتهم الحياتية وتعرضهم للسجن نتيجة للأحكام القضائية التي تصدر ضدهم نتيجة للديون التي تحاصرهم ، وسوف تستمر المعاناة إذا لم تحسم الحكومات ذلك بتشريعات ملزمة بعودتهم إلى أعمالهم مرة أخرى وتشجيع الشركات على هذه الخطوة في مقابل إعفائهم من الرسوم والضرائب والجمارك والقروض طويلة الأجل ،لعدة سنوات مقبلة، لتقضي بذلك على أم المشاكل التي تؤرق الحكومات والمجتمعات والأسر والأفراد.
والغريب أن مؤتمر منظمة العمل العربية الذي يضم وزراء العمل العرب وممثلين عن عناصر الإنتاج الثلاثة الحكومة والعمال والقطاع الخاص، تغافل تماما وضع آلاف العمال الذين فقدوا وظائفم بعد قيام شركات القطاع الخاص بتسريحهم - وفقدها أيضا لهذه الخبرات التي أثرت على إنتاجية الشركات- أو قامت بتخفيض أجورهم وتمادت في ذلك حتى بعد إنهاء الإغلاقات، أو منحهم إجازات طويلة بدون أجر، بعد أن أصدرت بعض الحكومات تشريعات تسمح للقطاع الخاص بذلك، ثم عجزت الحكومات عن كبح جماح الشركات في تسريح العمال بدون رقيب أو حسيب ، وعدم القدرة على تأهيلهم لوظائف جديدة ،مما أدى إلى تصاعد الأزمة بين العمال والحكومات حول المطالبة بعودة المفصولين بشكل تعسفي ، خاصة أن الدول العربية تشهد أعلى نسب التعطل عن العمل في العالم التي تصل إلى أكثر من 17 % من عدد السكان، وهي تعد قوى بشرية مهدرة لأنها طاقات عاطلة وغير منتجة من جهة ، ومن جهة أخرى قوى استهلاكية في ظل ظروف اقتصادية هى الأصعب منذ أزمة التراجع الحاد في اسعار النفط في عام 2008، الأمر الذي يدفع الشباب العربي إلى الهجرة غير المشروعة والموت والهلاك على شواطيء أوروبا بحثا عن فرصة عمل وهمية أو غير مؤكدة وبخاصة أن المؤتمر تجمع فيه كم كبير من كبار المسؤولين وبرئاسة مصرية و 19 وزير عمل عربى، و4 رؤساء وفود وأكثر من 400 من الأعضاء المشاركين من وفود منظمات أصحاب العمل والاتحادات العمالية، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وممثلي المنظمات العربية والدولية، والاتحادات النوعية والمهنية العربية، وعدد من الشخصيات العربية والعالمية ، مما حمل الدول تكاليف ونفقات إضافية للمشاركة في هذا المؤتمر واستضافته ، ولاندري ماذا قدم هذا الحشد الهائل من آراء ومقترحات لمواجهة هذا التحدي الذي فرضته جائحة كورونا ؟ وكأن الجميع في نزهة أو مؤتمر للترفيه بعد أن خلى البيان الختامي للمؤتمر من أي اشارة من أي نوع لمشاكل العمال العرب ، ويبقى السؤال الأهم وهو كيف ومتى تنجح مؤتمرات العمل العربية والدولية في حماية حقوق العمال وقد أغفلت أو تغافلت عن الآثار السلبية التي تأثرت بها كل المجتمعات وشركات القطاع الخاص وأضرت بالعمال ، الذين علقوا آمالهم على المؤتمر، ثم إصابتهم بالاحباطات بعد أن تمخض الجبل فولد فأرا ؟