الطريق إلى كابول

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:٣٣ ص
الطريق إلى كابول

بقلم :محمد بن علي البلوشي

على نقطة تفتيش عسكرية في إحدى ضواحي كابول قال جندي أفغاني لزميله وهما يحرسان النقطة: لم أحصل على ترقيتي بينما هم يتضخمون بالمال.ولم أستطع أن ابني منزلا لي..رد عليه زميله: وكذلك أعرف آخرين حصلوا على ترقيات بالرغم من أننا قبلهم. هذا حوار افتراضي فقط لكنه يعكس الفكرة السائدة في هذا البلد..كانت الدوائر والإدارات الحكومية في الأرياف وحواضر المدن تعمل لصالح أفرادها..لم تظهر الحكومة كما تبين التقارير أي مسؤولية وانضباط إداري صارم في مواجهة المحسوبية والرشاوي وضم جماعات وتوظيفهم بسبب انتمائهم لأقارب المسؤولين الحكومين..كل أولئك كانوا يعملون لصالحهم وصالح جماعاتهم وليس لصالح بلادهم..لقد كان الناس لايعرفون ما الذي يجري في كابول سوى أنهم مجموعة من السياسيين الذين يتصارعون على الحكم فقط.دون أن يلتمسوا شيئا على الأرض كما كانوا يعدون الناس..فكان النظام السياسي هشا ومهترئا لاتسنده قواعد اجتماعية بل قواعد أمريكية وتحالف دولي لضمان صمود الحكومة..بينما تلاشى مفهوم الدولة بين الناس. كان متوقعا أن يضج العالم ويندهش لحظة دخول مقاتلي طالبان إلى كابول دون قتال.. لم يستسلم أحد من الجيش فالجيش انهار ولم يعد له وجود ثم تحدث الجميع بصوت واحد :أين ذهب الجيش المدرب ذو العتاد الأمريكي..أين عقيدته القتالية؟. انهيار الجيش لم يكن مفاجأة بل كان متوقعا..فعقيدته وأفراده لم ينصهروا في فكرة الدولة..وحينما كان الفساد يحاصر البلد ويضرب في كل شرايينها تحلحلت فكرة الدفاع المقدس عن الدولة ومؤسساتها..إلى مجرد الدفاع عن النفس واستلام الأجور المتقطعة.

وجدت طالبان نفسها أمام مدينة تائهة ومضطربة..-كابول كما في بعض القواميس تعني تكبيل الشيء من تقييده- لكن العاصمة لم تكن مكبلة بقوات تدافع عنها فدخلتها طالبان واخضعتها لمقاتليها المسلحين الذين سقطت المدن الأخرى بأيدهم طواعية والأخرى بقتال خجول. كان الشعور الذي يسكن الجنديين عند نقطة التفتيش هو مزيج من الإحباط واللامبالاة ..لم يحصلوا على بعض الحقوق وافتقار المؤسسة العسكرية شأنها شأن السياسية إلى تكافؤ الفرص والنظام قاد الجنديين إلى التسليم بقناعة واحدة..لاشيء يستحق القتال..أدركا أنهما لايعملان لوطن فكل عملهم يقوم على حراسة مراكز كبار القادة القابضين على السلطة والمال وجمع الغنائم وتسيير المصالح لجماعاتهم..فضاعت فكرة الولاء للدولة وبقي المجتمع المبني على تقاليد اجتماعية راسخة ومشددة وأولها الولاء القبلي الأكثر شراسة من أي مجتمع آخر ويخضع لتقسيمات بنيوية عرقية وطائفية كما هو..اخفق القادة السياسيون في تكريس فكرة الدولة لمواطنيهم..ولتقاسم الحكم والسلطة زينوا للناس صناديق الانتخابات بإعتبارها أحد أوجه الديمقراطية للإنسان في العصر الحديث لكنهم نسوا كذلك أن هذه تجربة من الأعلى ولن تصل إلى عقل المجتمع المكبل بتقاليد قبلية عتيدة تسيطر عليها فكرة الزعيم القبلي أو المركز الواحد. فالبلد وسكانه يميلون إلى الولاء للعرق والطائفة وخلال 20 عاماً لم ير الأفغان مفهوم الدولة والولاء لها..فبقي الولاء للتيار القبلي والعرقي مترسخا فوق فكرة الدولة ولم يستطع حكام أفغانسان الجدد صهر القبيلة في الدولة. فالإنتخابات لاتعكس ثقافة الناس هناك.القبيلة والعرق لايمكن أن تبني دولة حديثة إلا بعد أن تنصهر الجماعات والبسطاء في دولة يؤمنون بها أنها مظلتهم الوحيدة..لتصبح شاملة للجميع وتحضن الجميع دون تفرقة أو تمييز. لكن القانون كان غائبا والتحزب العرقي مسيطرا-بالرغم من تقنينه -في مفاصل الدولة والفساد نخر فيها. جاءت الولايات المتحدة لدحض الإرهاب والمتمثل بالقاعدة التي أوجدت لها طالبان التي كانت تسيطر آنذاك على البلاد ملاذا فلم تأت أمريكا إلى هذا البلد إلا بعد أن انطلقت منه القاعدة وشنت هجمات عليها..أرادت أمريكا أن تبني دولة حديثة مدنية لتقلل من فرص الإرهاب وتعيد تشييد افغانستان عن طريق أبنائها عبر مجموعة من السياسيين المتصارعين..وطوال 20 عاما كانوا يؤسسون لنفوذهم فقط فتأسست كيانات لصالح أفراد وجماعات بينما ظل الأفغاني البسيط يصارع للبقاء على الحياة وتوفير لقمة العيش.ولم يسعوا إلى بناء مصالحة وطنية يتفق عليها الجميع إلا بعد أن بدأت الصورة توضح أن الأمور ليست في مستقر لهم. قبل نحو أسبوعين توقعت أن الجيش سينهار بخروج الامريكيين وتسقط العاصمة..سيفر الجنود ويتركون أسلحتهم وقد ينضمون إلى طالبان أو يعلنون استسلامهم فهم على يقين أنهم يدخلون معركة خاسرة ويفتقدون لإرادة القتال..فالدولة ليست في جانبهم وهم يعتقدون كما قلت انهم يدافعون عن جماعات تستولي على الحكم لا عن الدولة. حتى الآن لم تقم طالبان بأفعال تخالف أقوالها إلا في مواقف نادرة قالت إن مقاتليها قاموا بتصرفات فردية وليست بتوجيهات من القادة..حسنا هل تستطيع طالبان أن تتصرف كحركة سياسية وتتحول إلى حزب سياسي في بيئة قبلية وعرة..وأن ينصهر مقاتلوها في الجيش الأفغاني الجديد بعد أن يعاد تجميع اشلائه المبعثرة؟..الأمر صعب جدا لكنه ليس مستحيلا..فقادة طالبان يفكرون بحكم أفغانستان بالقوة أو الأمر الواقع لكنهم سيشركون القوى الأخرى في الحكم وتواجههم مشكلة الاعتراف الدولي بهم إن نقضوا وعودهم بمشاركة الجميع في الحكومة.وننتظر ماستؤول إليه المناقشات الحالية لتشكيل حكومة وشكل نظام الحكم.. وبعيدا عن قصص حقوق المرأة وحقوق الإنسان فإنه كما يبدو أن الناس يثقون بأن طالبان لن يكونوا لصوصا وفاسدين كما كانت الصورة النمطية عن القادة السابقين.