التعليم الثانوي والتدريب العسكري والأنشطة غير الصفية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:٣٥ ص
التعليم الثانوي والتدريب العسكري والأنشطة غير الصفية

بقلم: مرتضى بن حسن بن علي

قيام عدد كبير من الدول بتطبيق التدريب العسكري للطلبة في المرحلة الثانوية وبأنواعه المختلفة لم يأتِ من فراغ، فالتدريب العسكري يحقق العديد من المكاسب للمتدرب وللوطن عموما، فهو يسهم بتهذيب السلوك والإعتماد على النفس والسيطرة على الانفعالات، وإحترام الوقت والمواعيد والنظام، والصبر والتحمل والإقدام، وممارسة العمل الجماعي، وتصقيل شخصية المتدرب، فعلى سبيل المثال، فإن قيام المتدرب بترتيب فراشه وتنظيف غرفته يوميا والعيش مع أقرانه في نفس الغرفة أو القاعة، وتناول الوجبات الغدائية معهم تساعده على الإعتماد على النفس ومشاركة الاخرين من أقرانه في تحمل مسؤولية المكان المتواجدين فيه والحفاظ على نظافته، وتعلم العيش معهم، وإحترام مشاعرهم، وتجنب الاخطاء بقدر الامكان، كما يُرسخ عند المتدرب عدد من المعارف والقدرات والخبرات مثل الاستماع إلى التعليمات، وتنفيذها بدقة، وإستعمال أجهزة الاتصال المختلفة، وقراءة الخرائط، وإجادة قواعد التخاطب، والمحافظة على سرية وأمن الوثائق. التدريب العسكري أيضا يُبني روح الولاء والانتماء للوطن، وعدم النظر بنظرة دونية، أو الاستخفاف إلى العديد من الوظائف التي يحتاجها أي بلد وأي مجتمع، منها الوظائف اليدوية والمهنية والفنية، فالقوات المسلحة -بفروعها المختلفة تضم أقساما متعددة تقوم بتدريب الطلبة على تلك الاعمال والمهن، مثل الحدادة والخراطة والعمل في الورش المختلفة والقيام بتصليح المحركات المختلفة، والأدوات المنزلية، وتمديد الاسلاك الكهربائية وغير ذلك من الاعمال المتعددة، فالمتدرب يكتسب أيضا بعض المهارات القيادية والإدارية آلتي تتطلب الالتزام بأخلاقيات العمل والدوام المنتظم والرغبة في التدريب المستمر وتحسين قدراته، وخوض بعض المغامرات مثل تسلق الجبال او عبور الاودية والاختلاط مع أشخاص من خلفيات ومناطق وخبرات مختلفة ومنوعة التي تساعده على تطوير مهارات بناء الفريق والتفاوض، كل ذلك يساعد المتدرب بعد تخرجه من الحصول على وظيفة مناسبة في القطاع الخاص، وذلك لأن الشركات وأصحاب العمل يقدرون كثيرا تلك المهارات القيادية والادارية والتنظيمية وأخلاقيات العمل ومعايير السلوك، والإعتماد على النفس، والرغبة في التعلم المستمر. المتدرب أيضا يحصل على مهارات مهمة كثيرة أخرى الضرورية في عالمنا اليوم، ويحتاجها الطالب مستقبلا في كل مراحل حياته، وهذه المهارات تساهم بتميز المتدربين عند التقدم بطلب للحصول على الوظيفة، ومنها مهارات التفكير النقدي والإبداع والتعاون والاتصالات. هذه المهارات ضرورية للطلبة عندما يُلقى بهم في عالم العمل، وغالبًا ما يكون لها التأثير الأكبر فيما يتعلق بتمييز الطلبة المتخرجين عن غيرهم عند التقدم بطلب للحصول على الوظائف، اذ يُنظر الى الطلبة الذين حصلوا على التدريب العسكري بشكل عام والمهارات المذكورة أعلاه، بصفتهم مرغوب فيهم لدى أصحاب الأعمال، وتُذكر في سيرهم الذاتية، كما أنها تظهر بوضوح أثناء المقابلات التي تجري للمتقدمين للوظائف. كل ذلك يتوافق مع توجهات الدولة لتطوير مهارات المواطنين كجزء من سياساتها لتنمية وتأهيل الموارد البشرية في جميع مجالات الحياة كأساس لأي عمل ناجح، وهو الذي يحقق التطور والتقدم في كل قطاعات الدولة، سواء في الشؤون العسكرية أو الأمنية أو الإنتاجية أو الخدمية. التدريب العسكري أيضا يساعد على المحافظة على اللياقة البدنية من خلال التمارين المختلفة ونظام الوجبات، وعدم السماح بزيادة الوزن، كما يمكن تدريب الطالبات غير الراغبات في التدريب العسكري التقليدي على مهن أخرى مثل التمريض والقيام بالإسعافات الأولية، والتطوع لخدمة المجتمع، هذه المهارات سوف تساعدهن على التصرف الصحيح بسرعة وبشكل لائق عند حصول الازمات أو عند الضرورة.

بطبيعة الحال، سوف يكون صعبا في البداية من انخراط جميع الطلبة في التدريب العسكري، فعملية الاستعداد سوف تأخذ فترة من الوقت، بداية يمكن إختيار عدد من المدارس في كل محافظة، في خلال هذه الفترة تقوم المدارس الأخرى بالقيام بعدد من الانشطة اللاصفية المتعددة مثل السفرات المدرسية داخل السلطنة وخارجها، التي تلعب دورا إيجابيا في توثيق علاقة الطالب مع مدرسيه من جهة، ومع الطلبة الأخرين من جهة أخرى، كما إنها تساعد الطلبة بالابتعاد من أجواء الرتابة وممارسة بعض التغييرات في حياتهم اليومية، وتجديد نشاطهم، والاطلاع على المشاريع المختلفة مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومحطات تحلية المياه أو المشتقات النفطية والمصانع المختلفة والمعالم الاثرية والجغرافية والتعرف على المظاهر الطبيعية المختلفة واسرارها وخصوصا عندما يتم شرح المكونات الجيولوحبة وفي كيفية تكوينها، والمدة الزمنية، غريزة حب الإستطلاع تدفع الطلبة بالتعرف على مختلف مكونات البيئة ومحتوياتها، وتحقيق المتعة واكتساب الصداقات والخبرات. الأنشطة اللاصفية تساهم أيضا على تطوير بعض الصفات الجمالية في شخصية الطالب مثل بناء الشخصية، والنمو المعرفي والإبداعي، وتطوير قدرات التحدث وغيرها التي هي بمجموعها تلعب دورًا في تشكيل حياتهم ليصبحوا أشخاصًا مستقلين.

من الاشياء المفيدة أيضا تشجيع الطلبة، ذكورا وإناثا على القيام بألاعمال التطوعية المختلفة التي تساعد على نشر روح التعاضد والتكاتف وتعميق ثقافة التواضع، وهي بمجموعها تُذكر في كتابة السيرة الذاتية، وتساعد في تحسين فرصهم للحصول على وظائف مناسبة أو منحة دراسية اذا اراد الطالب في مواصلة الدراسة. العمل التطوعي بحد ذاته يعتبر قيمة كبيرة يعود بالنفع على المتطوع والمجتمع ككل والمتطوع بما سوف يقوم به من بعض الأعمال التي سوف بدوره يساعد على نشر شعور الاحساس بالآخرين وإشاعة روح التعاون ويعزز الثقافة الإيجابية وينمي روح الولاء والانتماء للوطن، ويهيء المتطوع بدنيا ونفسيا في الخدمة الوطنية لاحقا، وينمي روح الفريق، والعمل الجماعي والالتزام والانضباط. بالامكان تعليم وتدريب المتطوعين على أعمال تنظيف بعض الاجزاء من المستشفيات أو المشاركة في زرع الزهور والاشجار في الاماكن العامة من شوارع وحدائق، أو المشاركة في تنظيم المرور أو تدريبهم على أعمال التمريض والتلقيح ولا سيما الطالبات، وتمكينهم على القيام بتلك الأعمال في حالة وجود المخاطر الصحية والقيام بالاسعافات الاولية في الحالات الطارئة.

وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى الحركة الكشفية وتنميتها والتي تعتبر أيضا رافدا من روافد التربية، فهي تساهم على إكتساب المهارات البدنية والحياتية وتنمية روح التنظيم، وتحمل المسؤولية، والحصول على مهارات عديدة، وإثارة اعجاب المشاهدين، وتنمية الحركة الكشفية وإنشاء فرق للكشافة في أكبر عدد من المدارس سوف يساعد على غرس العديد من القيم والاتجاهات الايجابية لدى الشباب والشابات، وبالتأكيد هناك نقاط أخرى تساهم على ترسيخ قيم التسامح وإحترام الغير، وتقبل وجهات النظرة المختلفة برحابة صدر، ونشر ثقافة الاحترام للاخر، بغض النظر من هو هذا الاخر، والحفاظ على الممتلكات العامة وترسيخ قيم المواطنة الصحيحة المسؤولة، ومعرفة الحقوق والواجبات معا كوجهين لعملة واحدة، وليس الحقوق فقط. هناك أيضا بالتأكيد أنماطا أخرى لتحويل المدرسة من مدرسة تقليدية إلى مدرسة تستجيب للتغيرات السريعة، والتحديات المفروضة من عالم معرفي ومعلوماتي يتغير باستمرار وسرعة هائلة، باختصار فقد حان الوقت لكي تلعب المدرسة الثانوية (الدبلوم العام) من ممارسة دور مختلف في عالم يتغير بسرعة.