المدرسة الثانوية والفرق بين التعليم الأكاديمي والفني والتقني والمهني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/أغسطس/٢٠٢١ ٠٩:٢٦ ص
المدرسة الثانوية والفرق بين التعليم الأكاديمي والفني والتقني والمهني

بقلم:مرتضى بن حسن بن علي

يؤكد القرار الذي أصدره جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه - بخصوص تشكيل اللجنة الرئيسية لمشروع تطبيق التعليم المهني والتقني إلى متابعة جلالته للتطورات الجارية في العالم،وعلى ضرورة مواكبة عمان لها ولا سيما في التعليمين الأكاديمي منه والتقني والفني.

التغييرات الكبيرة التي تحصل في العالم تُلغي عددا كبيرا من الوظائف والتخصصات،وتُنشأ وظائف وتخصصات أخرى،حيث إن أكثر الوظائف الإدارية سوف تختفي لصالح الوظائف التقنية والفنية والتحليلية، سوق العمل يشهد تغييرات وتطورات عديدة،ولا بد من متابعتها ومواكبتها والتكيف معها قبل أن يفوتنا قطار التغييرات المنطلق بسرعة هائلة،وإذا لم ننتبه إلى الموضوع ونعطيه الأهمية التي يستحقه،فسوف نجد مرة اخرى بإن العمالة الوافدة تستحوذ على سوق الوظائف الفنية والتقنية والمهنية والتحليلية.وعندئذ لا نلومّن الّا أنفسنا.

هذا المقال هو محاولة لطرح بعض الأفكار عن التغييرات التي أجد ضرورة إحداثها في التعليم الثانوي الحالي وضرورة إعطاء أهمية كبيرة للجانب الفني والتقني والمهني.ما أذكره يُعبر عن وجهة نظري،وأنا واثق ان الآخرين

قد تكون لهم وجهات نظر أدق وأوفى،

ويطمئنني في كل الأحوال إن إختلاف الاراء مفيد للوصول إلى أفضلها.

يُعتبر التعليم الفني والتقني والصناعي والزراعي والتجاري من الأدوات والأليات الضرورية لتلبية إحتياجات سوق العمل،وتحقيق وتحقيق أهداف رؤية عُمان ٢٠٤٠ من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة،وإيجاد فرص عمل مجزية للقادمين إلى سوق العمل والتقليل من أعداد العمالة الوافدة، ِهذا الموضوع مع الأسف لم يلقِ الأهمية المطلوبة التي يستحقها خلال العقود الماضية،وكان من نتائجها المشاكل التي نعانيها والمتمثلة فيي النقص الواضح في القوى العاملة المدربة الماهرة،علما إن هذا التعليم يُحظى بإهتمام كبير في الدول المتقدمة وعدد من الدول النامية التي صممت على اللحاق بالدول المتقدمة، الدولة أيضا باقسامها المختلفة ومنها الأجهزة العسكرية والشبه عسكرية،وكذلك المجتمع الصناعي والتجاري والزراعي والخدمي هي جهات سوف تستفيد كلها من القوى العاملة المتعلمة والمدربة،حيث تقوم العقول محل العضلة والتكنولوجيا بدل الأشغال الشاقة.

خلال الحقبة النفطية الفائتة،وبسبب اعتمادنا بشكلٍ شبه كلي على النفط والاقتصاد الريعي عموما،قامت الحكومة بتوفير أعداد كبيرة من الوظائف للمواطنين تفوق احتياجاتها الفعلية،وبغض النظرعن كفاءتهم أو إنتاجيتهم،كما إن المسؤولين عموما ومسؤولي قطاع التعليم والتدريب تحديدا،تعاملوا مع التعليم الفني والتقني وكأنه تعليم من الدرجة الثالثة، وزادت المشكلة تعقيدا عندما تسربت هذه العدوى إلى المجتمع الذي بدأ ينظر بنظرة دونية إلى هذا التعليم، وكانت النتيجة إن عمان تعاني ألان من نقص واضح في القوة العاملة الماهرة.

ويكتسب هذا التعليم في الوقت الحاضر أهمية خاصة في ظل الضرورات الحتمية آلتي تفرضها تحديات الثورة المعرفية والتي تتطلب تخصصات مختلفة،لتحقيق رؤية عمان ٢٠٤٠،وما يتضمن ذلك من تنويع مصادر الدخل القومي.

يقع على عاتق التعليم الثانوي إعداد الشباب والشابات علميا وسلوكيا للمهارات الحياتية المختلفة،والتأقلم مع التغييرات الكاسحة التي تحصل بشكل يكاد أن يكون يوميا،وتزويدهم بأكبر كم من المهارات المختلفة،مثل مهارات تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي والتفكير النقدي والإبداع والتعاون والتواصل والقدرة على التعلم الذاتي وأخلاقيات العمل والحقوق والواجبات،ككفتي ميزان واحد،إضافة إلى إعداد الطالب على المهنة التي يحب أن يتعلمها قبل توجهه إلى التعليم العالي أو الدخول إلى سوق العمل مباشرة.

من أجل تحقيق هذا الهدف،سوف يكون ضروريا تشعيب المرحلة الثانوية،أي الصفوف الثلاثة الأخيرة من التعليم الأساسي إلى أقسام أكاديمية وفنية وتقنية وصناعية وغيرها.موضوع التعليم الأكاديمي سوف أتناوله في مقال أخر،أما بالنسبة لبقية الأقسام، فسوف اتناولها في هذا المقال، كالتالي:

١- التعليم الفني والتقني.

هذا التعليم يزود الطلبة بالمهارات الاكاديمية والعملية المطلوبة.في عدد من الدول،لا تقل فترة التدريب العملي عن ٦٥٪ ويتمكن الخريج بعد ذلك من مواصلة التعليم العالي «الجامعة التكنولوجية مثلا» أو الالتحاق مباشرة إلى سوق العمل للقيام بمسؤولية الانتاج،ويقدر أن يواصل تعليمه الجامعي لاحقا.التعليم الفني والتقني يقوم بتأهيل القوى العاملة للعمل حسب متطلبات السوق المتغير باستمرار،وباستعمال أحدث الوسائل التكنولوجية لتخريج كوادر فنية ذات كفاءة عالية،وتهيئة الخريج على التعامل مع التحديات والتغيرات التي تحدث في سوق العمل باستمرار.يعتبر هذا التعليم إحدى الادوات الرئيسية لتحقيق برامج التنمية المستدامة، ويشمل هذا أيضا تعليم الطلبة على البرمجة وتقنية المعلومات،إضافة إلى التعليم التجاري والمالي والفندقي والزراعي.كما يشمل أيضا إعداد الطالب لمهن البناء والنجارة والتمديدات الكهربائية وإصلاح المركبات المختلفة وأجهزة التكييف الخ..

٢-التعليم السياحي والفندقي

يتم التركيز في هذا القســــم على الأمور المتعلقة بالسياحة والفندقـــــة وفنون الضيافة، وتكمن أهميته في سعـــــــي عمان بالتركيز على القطاع السياحي واستثمار كنوزها السياحية المتنوعة والمنتشرة على إمتداد الأرض العمانية، كجزء من سياسات تنويع مصادر الدخل وتوفيــــر آلاف فرص العمل لشبابنا وشاباتنــــا.

سوف يحصل القطاع السياحي بما في ذلك بالطبع القطاع الفندقي وقطاع الضيافة إجمالًا على عمالة مدربة جاهزة للعمل،لتلبية متطلبات التطور في قطاع صناعة الفنادق والانشطة السياحة والضيافة.

وقد يكون مناسبا التفكير بتحويل كلية السياحة إلى كلية جامعية كاملة وضمها إلى الجامعة التكنولوجية وتحويل الدراسات والدورات الأخرى إلى المدرسة الثانوية الجديدة أو المعاهد.

٣-التعليم التجاري والمحاسبي والمالي وريادة الاعمال:

سوف يركز هذا التعليم على الدراسات التجارية والمحاسبية والمالية والتجارة الالكترونية وتقنية المعلومات والتسويق ومبادئ ريادة الاعمال واللغة الانكليزية وغيرها من المواضيع المتعلقة بها،وإكساب المهارات الضرورية للأشخاص الراغبين بالانضمام إلى إحدى الوظائف في القطاع الخاص أو العام أو العسكري،أو الراغبين لاحقا بتأسيس شركات صغيرة أو متوسطة الخاصة بهم،أو بمواصلة الدراسة الجامعية مباشرة أو لاحقا.ومن الضروري أن يكون التعليم متجددا ومتنوعا لمواكبة التغييرات السريعة وتأثيرها على القطاعات الاخرى.

٤-التعليم الزراعي والسمكي.

سوف يركز هذا التعليم على إعداد الأطر البشرية المؤهلة علميا وفنيا ومزودة بالمعلومات والخبرات الضرورية لاداء عملها،لتحسين الانتاج الزراعي والسمكي عن طريق زيادة المساحات الزراعية مستعينة بالهندسة الحيوية وكذلك زيادة كميات إنتاج الاسماك والصناعات القائمة على الثروة السمكية لتحقيق الحدود الادنى من إلامن الغذائي والتفاعل الإيجابي مع التقنيات والوسائل والالات الحديثة،وتصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية.من المهم أيضا إيجاد جسور غير متوفرة حاليا،تمكن الطلبة المتخرجين من الثانوية «الدبلوم العام» بمواصلة الدراسة الجامعية لاحقا.

٤-التعليم المهني:

يعتبر التعليم المهني مجالا لكسب المعرفة والخبرة العلمية والعملية في العديد من الميادين الحرفية والمهنية، مثل البناء،الصناعات الميكانيكية والالكترونيات والنجارة وصناعة الزجاج والتقنيات السمعية والبصرية الخ.. يتم التدريب داخل ورش البناء وشركات المقاولات والمصانع والورش الخ.. ويتمكن الخريج الراغب بالعمل بسرعة من ولوج عالم العمل الميداني مباشرة أو من خلال إنشاء ورش خاصة أو إنشاء مؤسسات صغيرة خاصة بهم.

عملية التحول سوف تحتاج إلى فكر جديد وإعادة تصميم مدارسنا الحالية وإجراء تغييرات كبيرة فيها،والتي سوف تحتاج أيضا الى مصادر مالية لا بد من التفكير بها وتوفيرها ومنذ الان،كما سيكون مهما التفكير بجدية ومنذ الآن في كيفية التغلب على النظرة الدونية للتعليم الفني والبدء بايجاد الوسائل والاليات الكافية لاستيعابهم أو إيجاد الكليات الخاصة لمواصلة دراساتهم،وهذا ما سوف نحاول الكتابة عنه في مقال أخر .

وبسبب قدراتنا وخبراتنا المحدودة في هذه المجالات وعدم توفر الكوادر الإدارية والتعليمية المدربة والمؤهلة، ومن أجل إسراع العملية لابد من الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال وعدم محاولة إعادة إنتاج العجلة من جديد والاستفادة منها في جلب المعلمين المدربين، واختيار الالات والمعدات والاجهزة الضرورية التي تمكنها من اداء رسالتها.