العمل يبقى عملاً

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:١٩ ص
العمل يبقى عملاً

بقلم : محمد بن علي البلوشي

بنى لنا النفط البلد واختصر علينا سنوات ضوئية من بناء التطور الحضاري وتراكمه فنقلنا من الحضيض الاجتماعي والاقتصادي إلى «التطور المدني» وأعني به الاستفادة من منجزات الحضارة العالمية من صناعاتها ومنتجاتها العلمية والصناعية والطبية والاقتصادية. شيد لنا النفط مدنا وعمرانا وبنية أساسية من الخدمات الضرورية التي هي عصب الحياة ..بأمواله بنى لنا المدارس والكهرباء فأصبحت لنا منازل حديثة بعد أن كانت المنازل من الخيام والطين وسعف النخيل..جلب لنا السيارات وبنى لنا المطارات ووفرت أمواله لنا الأدوية والمستشفيات والأطباء..قائمة من النعم لاتعد ولاتحصى ومئات الأوراق لن تكفيها..واليوم نفاخر بأننا بلد متطور..الحقيقة نعم نحن كبقية البلدان المتشابهة في المنطقة نعيش في تطور مدني «إستهلاكي» وكذلك تطور الدولة بمؤسساتها وقوانينها ونظامها وحكم القانون والقضاء المستقل إلى حفظ حقوق الجميع وسواسية الأفراد.هذه المدائح هي بسبب النفط ..لننسى هذا ولنأتي إلى ماذا صنع بنا النفط كذلك بخلاف الإستهلاك..كثيرا جدا أول نكسة كانت وبالا علينا تعريف العمل ودرجاته بين العامة ومن يعمل في هذه المهن ومن لايعمل بها..وكأن الحال بنا أننا الشعب المختار عن الشعوب الأخرى.جلب لنا النفط المهاجرين ليبنون هذا البلد ولولاهم لما بنينا طوبة واحدة..هذا عن العمران ولن ننسى البقية..جاءوا من بقع جغرافية تضم تكتلات بشرية وبالمقارنة معها سنتلاشي ونصبح تجمعا بشريا صغيرا في أرض قاحلة يكافح للبقاء على قيد الحياة في الماضي.هؤلا الذين جاءوا يمتلكون المهارات المهنية والفنية والصناعية والتقنية والتجارية والتعليم المتقدم وبعضهم في مهن لاتتطلب مهارات عالية..كنا يومها لازلنا نحاول أن نطل على نافذة العالم بخجل بسبب تلك الأوضاع التي رافقت الحياة مع من سبقونا ولعشرات السنوات..قد نكون نحن جزءا من أسبابها أو أسباب موضوعية خارجة عن إرادتنا بسبب قلة الموارد والعقل المقيد في إطارات إجتماعية ضيقة وأسباب أخرى يمكن لكل شخص ان يفسرها بعيدا عن أهوائه..وأخرى تحتاج كتبا وتفاسير لكي يفسر أوضاعها حسب أهوائه لكنها ليست مناسبة للنواح بسببها في كل مطلع وحين.عدد سكاننا القليل ومواردنا الضئيلة وافتقارنا للعمالة الوطنية الماهرة ونصف الماهرة والقيود الاجتماعية التي صنعها النفط على أنواع العمل تشكل معضلة تسايرنا وسترافقنا إلى أن نرى بديلا للنفط -الذي قد يغير مفاهيمنا عن العمل- الذي لربما خلال 100 سنة المقبلة سيظل مسيطرا ويظل رافدا للخزينة..والسؤال: ترى إلى متى سيظل عقل الناس يصنف العمل لدرجات وماهو العمل الذي يرفعه درجات ويحط من قدره درجات لعيش ويبقى في معركة الحياة. لسنا بمفردنا على هذا الكوكب من يعيش معركة الحياة اليومية..كل شعوب العالم تعيش ذلك..كلهم يستيقظون فجرا ليذهبوا لأعمالهم الشاقة وغير الشاقة المكتبية أو في ورش العمل ومحلاتهم واعمالهم الحرة..شعوب تعمل العمل..متى وجد الفرد عملا يعيله أقبل عليه ولن ينهض الجميع ليستاء من نوع عمله وينصب نفسه وصيا عليه..أزمتنا أننا نرى العالم بعين واحدة هي عيننا التي نريد أن ترى الأشياء التي نريدها.السرقة والتسول وامتهان الإتجار بالبشر كالبغاء هي بعض من الأعمال التي لاتليق بالإنسان عدا ذلك فالعمل القانوني وكما يقال «الشريف» شأن شخصي ولا ينبغي أن يكون تصنيفا أو معيارا مجتمعيا..فلماذا ينطلق الكل في رفض بعض العمل..مناسبة هذه الكلمات حينما انتشر إعلان عن مجموعة من المهن ومنها مهنة جامع قمامة «زبال» ولو اكتفت الجهة المعلنة بالوصف الأول لكان خيرا إن كانت هي من وضع التعريف الثاني لها..فهو وصف لربما لايتحمله مرهفو القلوب و»محقرو المهنة» فهي مفردة تثير النفور والإشمئزاز لدى الكثيرين أو الأغلبية..ولا أعلم لماذا فهي كأي عمل يسعى الإنسان من خلاله للعمل..لماذا يعمل الناس..ليكسبوا قوت يومهم ويعيشوا..يوفرون من أجر العمل طعامهم وشرابهم والأساسيات المعيشية الأخرى ثم الترفيه ويوفرون المتبقي لبناء المنزل وإنشاء أسرة..يحققون ذلك مع الأيام كبقية الناس..الطعام يستحوذ على الأجور ولذلك يقولون يعمل الإنسان ليعيش..هل الذين يعملون مترفون..بعضهم لكنهم يستطيعون التخلي عن عملهم المدفوع لأنهم يمتلكون موارد أخرى تغطي نفقات حياتهم..ماذا عن الذي عمله مصدر دخله الوحيد بلاشك سيعمل..لماذا علينا أن نستنكر عملا كهذا ونتأفف منه..هذه معضلة ولدها تحول المجتمع إلى استهلاكي وتعود الناس على أنواع من العمل..كانت النقلة الاجتماعية للعمل في القطاع الخاص ضربة للأفكار الإجتماعية لكن الناس تقبلتها على مضض ومع مرور الزمن وجد الكثيرون أن العمل في القطاع الخاص لايقل أهمية وشأنا عن العمل بالقطاع الحكومي. اختيار العمل ليس ترفا بل تفرضه شروط الحياة وظروفها ولذلك حينما يسأل أحدهم السؤال النمطي المتكرر هل ستعمل «جامع قمامة «زبال»..الإجابة نعم سأعمل لأعيش إن كانت فرص السوق مغلقة.هذه فرصة عمل لأعيش بدلا من انتظار خيارات تنهك العمر ولن تكون نهاية المطاف في الحياة..انخراطك في عمل ما هو أول مكسب لك في المهارات..الدوام والإنتظام التعامل مع محيط العمل والمسؤولون عنك..إن تداول مفردة عما يليق بالعماني ولايليق به -نوع العمل- باتت كالمرض في المجتمع ومنه هذه الأسباب التي تجعل قوى العمل معطلة وغير منتجة..الشعوب تعمل وتكدح كلا في موقعها..هل نحن مختلفون..نعم فنحن مختلفون بالمفاهيم البائسة.