وزاره إله القمر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:٢٨ ص
وزاره إله القمر

بقلم :خالد عرابي

جمعتني مؤخرا وأسرة أخرى قبل سفرهم إلى مصر جمعة عائلية ، وبالطبع مع تطبيق كامل الإجراءات الاحترازية من مسافة التباعد المناسبة وارتداء الكمام وغيرها.. وشدنا الحديث عن الأطفال والاهتمام بهم وتثقيفهم منذ سن وفترة مبكرة في حياتهم، وما هو دور الآباء والأمهات في ذلك، وكان من بين ما ذكرته زوجة صديقي أن قالت أنه ينبغي منذ الصغر أن تقوم الأم بقراءة القصص لابناءها حتى يشبون على حب الكتاب والقراءة أولا، وثانيا يكون في مخيلتهم بعض القصص التي توسع مداركهم ومخيلتهم وفي ذات الوقت تعلمهم الكثير من الأمور بطريقة غير مباشرة ..

وكان من ضمن القصص التي قالتها هذه الأم نقلا عن إحدى الأمهات، ولكنها تحمل معنى مهما وتعد بالنسبة لي جرس إنذار يستحق أن يدق له ناقوس الخطر وكان لابد أن أتوقف أمامها أن هذه الأم قالت في القصة التي قصتها علينا: " حدثتني صديقة لي فقالت بأنها مهتمة ومنذ سن مبكرة بتحبيب ابنها البالغ من العمر سبع سنوات في القراءة، وأنها تحب أن تقرأ له ومعه وبشكل شبه يومي ، وأنها لا تكتفي بالقراءة له بالعربية فقط ، بل تقرأ له أيضا بعض القصص والحكايات بالإنجليزية وذلك في محاولة منها في تعويضه عما عانته هي وأبيه من ضعف في اللغة الإنجليزية مما أثر على حياتهما العملية والوظيفية فيما بعد ، وكذلك سعيا في اطلاعه على ثقافة الآخر حتى يكون لديه تنوع وثراء فكري وثقافي .

وأضافت هذه الأم قائلة: "أعجبتني فكرة صديقتي، فهي بلا أدنى شك أمر ممتاز وله الكثير من الفوائد، ولذا لم أتردد ولم أتوان لحظة وأردت أن أطبق نفس الفكرة، فذهبت إلى أحد المراكز التجارية وأشتريت لأبني مجموعة من قصص الأطفال وكتب التلوين وغيرها وكان من بينها مجموعة بالإنجليزية وتركتها له وكنت ما بين حين وآخر أحاول أن أوفر بعض الوقت لمشاركته القراءة فيها .. وذات ليلة أخذت إحدى القصص الملونة من تلك المجموعة التي اشتريتها مؤخرا، وشرعت في القراءة لابني وجلسنا نقرأ سويا وكنت جلسة جميلة والأمور تسير على ما يرام وكلانا سعيد بذلك جدا ، حتى وصلنا إلى قصة كانت تتحدث عن طفل صغير وعن الأرانب والفيلة وغيرها.. وهنا وبينما أقرأ وأشرح له القصة إذ وجدت أنها تقول بأن "إله القمر" قد ظهر وجاء للطفل - طفل القصة - وطلب منه كذا وكذا، وتكمل: هنا وجدت نفسي في حيرة من أمري فماذا أقول لابني وعن أي إله تتحدث القصة وهل هناك من يعبد القمر فيكون له إله للقمر .. ولم يكن الحل الجيد والعملي سوى أن أشرح له أن هذا مخالف لديننا وأنه خطأ ولا يناسبنا ، ومن بعدها أخفيت هذه القصة عنه تماما " ..

وهنا فإن الوقفة التي لابد منها والعظة والدرس الذي يجب أن نعيه ونتعلمه من القصة السابقة: أنه جميل جدا أن نهتم بابنائنا ونعطيهم جل هذه العناية لأنهم كما قيل "فلذات أكبادنا"، كما أنهم الاستثمار الحقيقي لنا في المستقبل، وكما يقال فإن أفضل استثمار للإنسان منا أن يستثمر في تربية وتعليم أولاده جيدا ، ولكن من المهم أيضا أن نكون عقلانيين وألا نتسرع في الأشياء وأن لا نحاول أن نذهب لبعيد ونضيف لهم فنضرهم ، ومن ذلك أننا نذهب ونحضر لهم قصص نحن لا ندري ولا نعرف عنها أصلا، ومن ثم قد تكون تحمل معلومات مغلوطة أو مضللة أو على أقل تقدير لا تتناسب لا مع معتقداتنا، ولا تقاليدنا أو عاداتنا، ومن ثم تكون سببا في إعطائهم معلومات مؤذية مثل هذه التي تتحدث عن "إله القمر" فهل يوجد إله هكذا بالنسبة لنا، فربما تكون تلك القصص مدسوسة علينا لبث السم وتلويث أفكار ابناءنا وبناتنا وعلى أقل احتمال وفي حال صفاء النية فلربما تكون قد كتبت لثقافات وأفكار ومعتقدات مختلفة وغيرنا وهذا هو الأغلب الأعم ، لأنني حينما طلبت منها القصة وقرأتها وجدت فيها ذلك .

ولكن في المقابل أيضا أرى أنه من الواجب علينا ومنذ البداية أن نؤصل لأبنائنا في الصغر وفي تلك السن التي تمثل المرحلة الأهم في حياة أبناءنا حيث التعليم في الصغر كالنقش على الحجر أن نؤصل لغتنا وقيم مجتمعاتنا وتقاليدنا، ومن بعدها وفي مرحلة لاحقة يمكن أن نضيف لهم كل ما نريده من معلومات أخري.. كما أن الشيء الذي ينبغي التأكيد عليه هنا أن يكون هناك موازنة ما بين حاجتنا من الحفاظ على لغتنا وهويتنا والأخذ بلغة وهوية الآخر وأيضا ضرورة التأكد من أن ما تحمله تلك الكتب والقصص الروايات التي نحضرها لابنائنا أن تكون ذات محتوى جيد وهادف وخال من أي زيف أو تضليل، أو مبادىء وقيم مخالفة لصميم ديننا الحنيف، أو عادات وتقاليد مخالفة لعاداتنا وتقاليدنا .

وبكل تأكيد ما هذا الذي تحدثت عنه إلا نموذج من كثير من النماذج والحالات التي يتعرض لها الكثيرون يوميا، وأن ما يقاس على الكتب والقصص اليوم بالتأكيد يحدث أضعافه بل عشرات الأضعاف منه مع يتعرض له ابنائنا في عالم الإنترنت والهواتف وخاصة الألعاب الإلكترونية ومنها على سبيل المثال لا الحصر القصة التي ترددت وانتشرت مؤخرا وتحكي أن إحدى الألعاب الإلكترونية -وبكل أسف - وضعت صورة الكعبة المشرفة وأنه لكي يكمل ويستمر الطفل في اللعب لابد أن يهجم على الكعبة وأن يقتل الحراس ، وبالطبع فإن هذا -والعياذ لله- فكر هدام لأنه وبكل أسف يستبيح البيت الحرام والكعبة المشرفة -وهنا علينا أن نتأمل فيما يبثونه من أفكار في عقول ابنائنا من الصغر- ، وعلى هذا فقس في العديد من الألعاب الإلكترنية .. فرجاء ثم رجاء علينا أن ننتبه لما يتابعه أطفالنا من محتوى على جميع الأصعدة ، وعلينا أن نترك نحن الكبار الهواتف قليلا وأن نعطى مزيدا من الوقت والجهد لأطفالنا حتى نجنبهم الفتن والمحن قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم .