مرحلة إرساء السلام في المنطقة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٠٣ ص
مرحلة إرساء السلام في المنطقة

بقلم : علي بن راشد المطاعني

العلاقات العمانية السعودية وما تشهده من تطوّر متسارع على كل الأصعدة والمستويات لا يمكن اختزاله في العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين فقط، وإنّما سينعكس على المنطقة ككل إن شاء الله.

ولعلّ المتابع يلحظ بعض المؤشرات الإيجابية التي حمَلها بيان ختام زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ إذ تفتح آفاقًا أوسع لحلحلة الكثير من الملفات السياسيّة العالقة - إذا جاز لنا التعبير- في المنطقة، ولعلّ من أهمّها الملف الإيراني والأزمة اليمنيّة بكل تداعياتها وتشابكها على دول المنطقة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، فالسلطنة والمملكة تنطلقان من موقعهما الاستراتيجي ومسؤوليتهما التاريخية باستقرار المنطقة، وبلورت كل ما من شأنه تحقيق ذلك، ولعلّ الاستفادة تكون هنا من علاقات السلطنة مع الأطراف الإيرانية واليمنية وتوظيف مواقفها المحايدة في إيجاد حلول شاملة لهذين الملفين؛ الأمر الذي يبعث على الارتياح لهذه الخطوات الإيجابية التي نتطلع أن تُثمر بما يعود على المنطقة بالخير، وينهي كل أشكال الصراع والتجاذبات السياسية والعسكرية.

ومن الأهميّة أيضا الإشارة إلى أنّ هناك قناعات في المنطقة ولدى كل الأطراف بالانتهاء من الصراعات الإقليمية وتأثيراتها على كل الأصعدة والمستويات، وأهميّة انقشاع هذه الأزمات السياسية والعسكرية البادرة في المنطقة، والتفرّغ للتنمية والاقتصاد بما ينعكس على رفاهية المنطقة وأبنائها وتغيّر الصورة الذهنيّة المترسّبة عن أوضاع المنطقة في العالم .

فاليوم ولله الحمد والشكر أصبحت المنطقة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإحلال السلام وتحقيق الاستقرار، فمنطقة الخليح شهدت حروبًا وصراعات وتوترات سياسية خلال أربعين عاما الماضية دفعت دول وشعوب المنطقة الثمن غاليا لا يمكن تقديره، وعلى حساب الكثير من الجوانب التنموية والاقتصادية؛ فما نعيشه يمكن أن نطلق عليه بأنّه مرحلة مراجعة الذات من خلال بلورة سياسة أكثر اتّزانًا في التعاطي مع الأحداث والصراعات التي تمس أمن وسلامة واستقرار دول المجلس على وجه التحديد؛ من خلال اتباع سياسات أكثر واقعيّة وحكمة، تراعي مصالح الدول والشعوب من عدمه في المقام الأول، وتجنح للسلم والأمن أكثر مما سبق. وهذا ما تدعو السلطنة إليه شقيقاتها من دول المجلس بكل صدق، وتقف على حياد تام بين الأطراف لكي تُبقي طوق النجاة بينهم وخط الرجعة في أي فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة إلى الحوار والعمل الدبلوماسي.

وقد أثبتت الأيام مدى مصداقيّة هذا التوجّه ونجاعته في التعاطي مع المتغيّرات التي تشهدها المنطقة وسبل التعامل معها.

إنّ السلطنة ستبذل جهودًا مضاعفة في المرحلة المقبلة في حلحلة أزمة الملفين الإيراني واليمني بشكل جذري بكل ما تستطيع، وفق الإمكانيات المتاحة لها للعمل في هذه الملفات بالأريحيّة التي تتيح لها ذلك؛ إلا أنّ ذلك لا يتحقق إلا من خلال تحمل دول المنطقة جميعها سواء دول المجلس والجمهورية الإيرانية والأطراف المتصارعة في اليمن ‏مسؤوليتها لإنهاء هذا الصراع بشكل جذري؛ من خلال العديد من المسلمات التي علينا القبول بها على أرض الواقع والتعامل معها منطقيًا.

ولعلّ من أهمّها الإيمان بالأبعاد الجغرافية أي الجوار واحترام مبادئه ومنطلقاته وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، والحرص على تنمية العلاقات الثنائية والإقليمية بين الدول على أسس من التعاون وتبادل المصالح أكثر من صراع الأيديولوجيات وما تسببه من مغامرات تدفع الدول والشعوب ثمنها .

وعندما تتوافر هذه القناعات لدى كل الأطراف المعنيّة بالصراعات الإقليمية في المنطقة فمن الطبيعي أن تسعى السلطنة وتتحرك في مسارات التسوية السلميّة الدائمة؛ وهو ما نتطلع إليه أن يتحقق في أسرع وقت ممكن؛ ليسهم في إحلال الاستقرار في المنطقة، وتجنيبها كل ما شهدته في السنوات الماضية من دمار وعنف.

من الأهميّة بمكان الإشارة إلى أنّ على دول المجلس أن تعي جيدًا أنّ التدخّلات الخارجيّة والتشويشات الغربية على جوهر الخلافات الإقليمية له أهدافه ومآربه في تأجيجه واستمراره إلى ما لا نهاية، وقد اتضحت هذه السياسة وهذا الخبث بشكل جلي في السنوات الماضية؛ لذا يجب في الوقت الراهن إعطاء فرصة للحلول الإقليمية، وفتح آفاق أوسع لتفاهمات الأطراف المعنية بدون توجيهات خارجيّة لا تخدم المنطقة.

بالطبع يجب أن تعرف كل الأطراف بأنّها لا يمكن أن تخرج من هذا المأزق إلا من خلال التعايش مع الثوابت والمتغيّرات بحكمة وعقلانية تجنّب المنطقة الكثير من الصراعات، وتُلملم الجهود للانكفاء على الداخل أكثر، وتوجيه الموارد إلى ما هو أهم وأفضل لشعوب دول المجلس، بجانب الإصغاء إلى أصوات العقل والحكمة في التعاطي مع المتغيّرات في المنطقة أيًّا كان وقعها.

نأمل أن تُكلل كل الجهود الهادفة إلى استقرار المنطقة بالنجاح بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة، ويبعث على التفاؤل للمزيد من الازدهار الاقتصادي الذي يتطلع إليه الجميع، وما يحتاج له من أرضيّة صلبة تؤمن سبل النجاح، وأن يعي الجميع بأنّ الصراعات العسكرية والجيوسياسية لم تجدِ، وأنّ الالتفات إلى الحوار والحلول السلميّة هو الخيار الأفضل ومن شأنه أن يبدد الكثير من الشكوك وسوء الفهم بين كل الأطراف.