الوصاية وبيت الطاعة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/يوليو/٢٠٢١ ٠٧:٤٤ ص
الوصاية وبيت الطاعة

بقلم : محمد بن علي البلوشي

قبل نحو 500 عام إنهار «ملكوت» الكنيسة التي فرضت سيطرتها باسم الدين والرب على الحياة في أوروبا، على الناس وعلى السياسة والعلوم والتعليم والفنون والإبداع والتفكير، تدخلت الكنيسة في حياة الناس لتعطيهم ما يسمى صكوك الغفران ليدخلوا إلى الجنة ومن يحرمون من هذه الصكوك فطريقهم معروف إلى الجحيم، كره الناس ذلك وكرهوا حياتهم ومقتوا هذه التصرفات الإستبدادية، أرادوا الأنعتاق فجاء الخلاص، النتيجة:تهدم المعبد على ساكنيه وبدأت النهضة الأوروبية..اليوم لاتملك الكنيسة سلطة على الناس فمن أراد أن يذهب لها للاستغفار والاعتراف فله ذلك دون أن يتدخل أحد لنصحه أن يذهب ومن لا يريدها ليس لأحد الحق في إلزامه وطرق باب منزله لمرافقتهم إلى المعبد ..كل فرد مسؤول عن خياراته أمام مصيره وعن مايؤمن به وعلاقته مع الكون وربه.

التاريخ يعطي دروسا مجانية للجميع بتطوره فيخبرنا أن التدخل في شؤون الحياة الخاصة للناس لا يبقى ولن يستمر.

تنتشر سيطرة طالبان على مديريات الأقاليم الأفغانية كما تذكر الاخبار كانتشار النار في الهشيم ..هذا خبر يسعد حتى الذين لايكرهون الولايات المتحدة التي أمضت نحو 20 عاما في أفغانستان لسحق القاعدة وتفكيك طالبان..تفككت القاعدة لأنهم غرباء عن البلد ولاحاضنة شعبية لهم لكن بقيت طالبان تقاتل طيلة هذه السنوات فالأرض أرضها والناس ناسها وتقاتل أفرادا من شعبها تعرف تفكيرهم ومتى يرغبون بالقتال..متى يحملون السلاح ومتى يضربهم اليأس والوهن فيرمون البنادق ويرتمون في أحضانها.

الواقع أن الفرحين بعودة طالبان واكتساحها مزيدا من الأقاليم هم ينساقون غريزيا إلى أفكار طالبان وإن لم يرغبوا في أن تحكمهم لكن أن تسيطر هناك وتفرض تعاليمها وقوانينها فذلك يسرهم.ويرجع ذلك إلى النشأة التي اكتسبوها منذ الصغر عن المفاهيم كتلك التي تحملها طالبان ويحملها الكثيرون ممن يرتدون رداء طالبان وإن بصورة أكثر حداثة.قلت أن طالبان ستكتسح مزيدا من الأراضي وتفرض حكمها وقوانينها المشددة التي تعتمد على قراءتهم وفهمهم لمايؤمنون به..هم يسعون حاليا إلى طمأنة العالم بأنهم لن يفعلوا بماقاموا به في الماضي ولن تطرد الفتيات من المدارس ولن تحرم نساء كابول من العمل في مؤسسات الحكومة ولن يطبقوا بعض الحدود التي يفهمون أنها الصواب ولن يمنعوا النساء من التطبب والعلاج أو منع الرجال من الحلاقة واستماع الشباب للموسيقى أو اجبارهم على الصلاة.هذه حركة كاذبة تقوم بها طالبان حتى يطمئن العالم بأنهم لن ينقضوا على الحكومة.الحكومة تبدو في أضعف حالاتها بدون الولايات المتحدة والجنود الحكوميين الأفغان عينهم مع الحكومة وقلوبهم مع طالبان ومتى ماوجدوا الطريق سالكا لهم سيلتحقون بطالبان ليضمنوا عدم قتلهم او قطع رواتبهم..هذه مجتمعات تقليدية لم تخرج من عباءة القراءات الخاطئة التي تبثها المجموعات الراديكالية كالقاعدة وداعش أو حتى طالبان.

ندلف إلى القرن الحادي والعشرين والعالم يلج إلى الثورة الصناعية الرابعة ويمكن ان يتحرك الإنسان أو يحرك الأشياء بإشارة من يده لهاتفه فتستجيب له الأشياء التي كانت في خانة»السحر». ومازالت المجتمعات التقليدية تبيح لنفسها ملاحقة الناس لإعادتهم إلى بيت الطاعة وفرض وصايتها عليهم. الناس أحرارا وسيموتون أحرارا..هم مسؤولون عن خياراتهم وعن ملابسهم وطعامهم ومحنهم ومآسيهم وسعادتهم وكذلك مصائرهم.

تلك مجتمعات تعشق الوصاية.هي في جيناتها لكن وصايتها ينبغي أن تحصر في حدود البيت الذي تسكنه.الأسئلة: لماذا يمرر الكثيرون ما يكرهون ومحاولة فرضه على الناس. لماذا حين تكره الموسيقي تود فرض كرهها على الناس جميعا. لماذا حين لا تعجبك ملابس الاخرين تلجأ إلى التهديد والوعيد. لماذا رمي المجتمع أو فئاته وشتمه بألفاظ بذريعة الدفاع عن فكرة ..هل يحق لأحد ان ينصب نفسه وصيا على سلوك الناس وخياراتهم.. إن الذين يكرهون الأزرق فالاخرون قد يحبونه وإن كنت تميل للاخضر فلربما الاخر يكرهه..لماذا نفرض ألواننا على الاخرين وهم لايلزمون أحد بلونهم..هذا العراك والجدل تتدخل الدولة لإنهائه أو لتطويقه حتى لايندلع حريق يقسم المجتمع فهي -الدولة-الفكرة الجامعة والحاضنة للجميع هي مسؤولة عن الكل..هي التي تقف على مسافة واحدة بين الجميع. ولا يمكن أن يستأثر القلة فيسرق الدولة من الجميع.

في المجتمعات التقليدية تنصيب البعض من أنفسهم اوصياء على حياة الناس والمجتمع وامتلاك الحقيقة المطلقة ودغدغة مشاعر البشر بالخطاب الكاره للبشر لايمكن انتزاعه فهو مستمر.وفي المقابل سيستمر البشر في طرح أسئلتهم الصعبة على أنفسهم..وليسوا ملزمين بأخذ إجابة احد..ولايمكن استخدام الذرائع وسيلة للاستبداد بالناس في حياتهم.الدين لله..الوطن للجميع.