ضريبة بناء الأوطان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٠/يونيو/٢٠٢١ ١٦:٤٩ م
ضريبة بناء الأوطان

بقلم : علي بن راشد المطاعني 

تمر الدول والشعوب في مسيرتها بظروف وأزمات طاحنة ومعقدة ومتراكمة، بل أن البعض منها تفرض عليه حروب قاسية وتعاني الويلات في الحال والمال، ولكنها وبالإرادة الصلبة تخرج منها كالمارد تعيد بناء ما تم تدميره، وكذلك الأزمات بقدر ما فيها من الآلام والأوجاع، فيها بصيص من الأمل تستشرف منه الدول والشعوب دورسا لبناء مستقبل أجيالها وفق معطيات مختلفة عما ألفته في المراحل الماضية، وهكذا هي الأمم تعيش مخاضات مختلفة، وهذه هي سنن الحياة ونواميسها ليست دائما زاهرة ونضرة ومبتسمة، وعلى ذلك تعيد ترتيب أوراقها واولوياتها لبناء ذاتها من جديد ولمواصلة مسيرتها السابقة بروئ أخرى تتواكب مع المستجدات والمتغيرات التي يشهدها العالم.

والسلطنة وبطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من هذا العالم الذي عاني ويعاني من الإنكماش الإقتصادي الكبير الذي يعصف بكوكبنا حاليا والمقترن بأزمة أو نكبة فيروس كورونا، فمن الطبيعي أن تتأثر بها كما وكيفا، وتشهد تبعا لذلك الكثير من التغيرات في إدارتها للكثير من مفاصل العمل في البلاد وإدارة أولوياتها وفق المتغيرات المستجدة، ومن الطبيعي جدا إنبثاق الكثير من الآلام من بين ثنايا هذا الجرح، تلك هي ضريبة التغيير والتبديل القسرية في مسار العمل الوطني إستجابة لمتطلبات هذه الأوضاع الإستثنائية شكلا وموضوعا، فأي تغيير لابد له من تأثيرات على المدى القصير والمتوسط والبعيد أيضا، إذ تعمد الدولة للحفاظ على مكانتها وسمعتها بين الأمم والشعوب، وذلك يتطلب منا جميعا أن نكون أكثر إيجابية وأكثر إستعدادا على تجاوز هذه الأزمات والظروف، فجميعنا في مركب واحد يتعين عليه العبور بنا إلى بر الأمان متجنبا بمهارة قادته الغرق في بحور الأزمات، أو السقوط في وحل المؤسسات التمويلية الدولية التي لاتتورع في تصفيدنا بالكثير من القيود والأغلال التي تسلبنا كبريائنا وهيبة دولتنا العريقة وتحطم شموخها وعزة نفسها بإعتبارها ذات ماض عريق بل هي صاحبة حضارة موغلة في الأصالة والقدم.

لا يمكننا اليوم أن ننكر بأن هذا الوطن وفي سنواته الخمسين الفائتة لم يبخل علينا بالخيرات والنعم التي نرفل في كنفها في كل المجالات، فالخدمات تصل إلى المواطن أينما حل وارتحل، ومازالت الأساسية منها تنداح كماهي بدون تقطير أو نقصان ولله الحمد، وهو ما يجب تقديره عاليا، فالنعم وكما نعلم عطاء من الله كبير تدوم فقط بالشكر والحمد لرب العالمين مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء:

(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)، وقوله تعالى في سورة إبراهيم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7).. صدق الله العظيم.

فإذا وجدنا أن لامناص من أعادة صياغة بعض الجوانب غير الأساسية وإضفاء بعض الإلتزامات التي تعيد ترتيب الأولويات الخدمية الهادفة لتحقيق تطلعات بناء الدولة وإستدامة مواردها المالية وتعزيز تنميتها المستدامة في ظل هذه الأزمات والضغوط المتلاحقة، فلا يجب أن ندير ظهورنا لكل ما تحقق في هذا الوطن وننكر كل ما ينجز وأنجز على أرضه.

بالطبع الحكومة ماضية في تسريع خطى التحول في كل الجوانب التنموية والإقتصادية والاجتماعية، ضمن سياق النهضة المتجددة التي تشهدها البلاد، فمن الطبيعي أن هذه التحولات تبدو أشبه بالمرحلة الإنتقالية التي تشهدها بعض الدول إذ يكتنفها بدءا عدم الفهم والإدراك لدواعيها ومسبباتها، لكن مرور الوقت سوف تتضح ملامح التغيير الذي يحتاج إلى الوقت والصبر والجلد وهي متطلبات العبور بالسلامة للمرحلة القادمة بإذن الله.

لا ننكر أن هناك أيضا من يتصيد في المياه العكرة ويركب أمواج الأحداث بأسباب نرجسية صرفة كإكتساب الشهرة على حساب الوطن وسلامته، والبعض الآخر له أهدافه الخاصة، أولئك لايجب أن نتيح لهم المجال لتحقيق أهدافهم وتشتيت تركيز الجهود الوطنية الماضية لتحقيق الأهداف العليا.

نأمل أن نتفهم كل دواعي متطلبات التغيير، ومراحلة العسيرة التي تحتاج للمزيد من التضحيات التي نقر بأنها قاسية، ولكن ماذا عسانا نقول فتلك هي ضريبة بناء الأوطان في كل مكان وزمان.