مسقط - الشبيبة
نظمت الجمعية الاقتصادية العمانية مساء أمس الاثنين نسختها الخامسة من المجلس الاقتصادي والذي استعراض إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي في دول مجلس التعاون إذ استضافت الجمعية عبر تطبيق زووم الدكتور نادر القباني، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة وزميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكنجز في واشنطن، ويحاوره الدكتور خالد بن سعيد العامري رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية.
وأستهل المجلس الاقتصادي في نسختها الخامسة مساء أمس الاثنين بكلمة د. خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية الذي قال: : أن الاقتصادات الخليجية اعتمدت بشكل كبير على على العائدات من النفط والغاز، على الرغم من عقود من الجهود بشأن السياسات الهادفة إلى تنويعها، وأحد الأسباب لذلك هو أنّ هذه الجهود المبذولة في الماضي لم تأخذ بعين الاعتبار العقد الاجتماعي الحاكم كما يلزم.
وأشار إلى أن الدول الخليجية تقدّم ريوعَ الموارد الطبيعية إلى مواطنيها من خلال ثلاث قنوات أساسية قدرة الوصول إلى منافع وخدمات عامة سخيّة، وقدرة الوصول إلى وظائف في القطاع العام ذات رواتب عالية، وقدرة الوصول إلى عقود حكومية وتراخيص حصرية، فقد أدّى توجيه الريوع الاقتصادية من خلال هذه القنوات إلى تشوّهات في الأسواق أضعفت الجهود لتطوير قطاع خاصّ تنافسي قادر على توليد نموّ اقتصادي مستدام في مستقبل ما بعد الهيدروكربون، وقد سَعَت الجهود بشأن السياسات في السابق إلى معالجة تشوّهات السوق التي ولّدتها هذه القنوات .. بيد أنّ لهذه القنوات غايةً، فهي تسمح للمواطنين بالوصول إلى حصّتهم الشرعية من ثروة الهيدروكربون في بلادهم، ولن يكون من السهل إعادة التفاوض بشأنها حتّى لو تراجعت عائدات النفط، وعلى الرغم من ذلك، لا بدّ من اللجوء إلى الإصلاحات، وينبغي على الجهود بشأن السياسات في المستقبل إن تُعيد هيكلة قنوات تقاسم الثروات هذه لجعلها أكثرَ شفافيةً وفعاليةً اقتصادياً وعدالةً اجتماعياً ومراعاةً للقيود المالية التي تواجهها الدول الخليجية.
وقال الدكتور نادر القباني، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة: أنعم الله على دول مجلس التعاون بوفرة مواردها الطبيعية واستثمرت هذه الثروة في تحسين حياة مواطنيها وتطوير البنى التحتية والتحضير لمستقبل خالٍ من النفط والغاز، وقد حققت تقدماً كبيراً في الوصول إلى الهدفين الأولين إذ حسنت وطورت البنية التحتية وحققت تقدماً كبيراً في مؤشرات التنمية البشرية.
وأشار إلى انه على المدى الطويل ستنفذ احتياطيات النفط والغاز، إذ من المتوقع أن تنفذ الاحتياطيات خلال 5 سنوات في البحرين و15 سنة لدى السلطنة، أما على المدى المتوسط من المتوقع أن يتراجع الطلب العالمي على النفط بسبب ارتفاع الطلب على الطاقة المتجددة وتحسينات في كفاءة الطاقة وتخزينها، بينما على المدى القصير تتراجع الأصول المالية التي تراكمت على مدى عقود إذ يتم تآكل استثمارات بقيمة ألفي مليار دولار في صناديق الثروة السيادية، وقدر صندوق النقد الدولي في 2019 أنه في حال لم تطبق دول مجلس التعاون الخليجي إصلاحات مالية واقتصادية جوهرية سوف تستنفذ ثروتها بحلول عام 2034م، وقد زادت جائحة فيروس كورونا المستجد وأسعار النفط العالمية المنخفضة الضغط على الدول الخليجية للسير قدماً بجهود تنويع اقتصاداتها، وفي السلطنة لديها ما يعادل 250 مليار دولار من احتياطيات النفط والغاز وهذا الرقم الكبير من الممكن بناء صندوق سيادي قوي.
وأكد القباني أن جهود التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون تركزت على تنمية وتطوير الشركات الكبيرة التي تملكها أو تديرها الدولة، ودعم وتعزيز قطاعات محددة والتي غالباً ما تعكس ميول صانعي السياسات، والإنفاق الحكومي على نشاطات ومشاريع ينفذها القطاع الخاص، ولكن السؤال: هل تستطيع هذه الشركات العامة والخاصة النمو والمنافسة عالمياً وذلك لإيجاد صادرات بديلة دون دعم حكومي؟ وهنا يجب القول أن على دول مجلس التعاون الخليجي الدفع بأجندة تنويع اقتصادي لا تعتمد على ريع الموارد الطبيعية لخلق الفرص الاقتصادية، ويتطلب الحد من الاعتماد على النفط استبدال إنتاج النفط والغاز بإنتاج السلع والخدمات التي لا تعتمد على قطاع النفط والغاز بشكل مباشر أو غير مباشر، واستبدال عائدات الحكومة الأتية من النفط والغاز بعائدات من مصادر أخرى كالضرائب على الاستهلاك والقطاعات غير النفطية لكن ليس إلى حدّ يجعل هذه القطاعات الناشئة معرقلة وغير تنافسية، بالإضافة إلى التخفيف من الإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات غير النفطية وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأضاف: أن دول مجلس التعاون الخليجي أدركت أن نماذج التنويع الاقتصادي السابقة غير مستدامة إذ قامت بإدراج التنويع الاقتصادي في الخطط التنموية الوطنية، وحسنت تنظيمات الأعمال والبيئة الممكنة للأعمال وريادة الأعمال كما أنشأت لجاناً لدمج القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية الجارية، وأسست وكالات لدعم عملية تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها، وأنشأت كذلك مناطق حرة وخاصة تعمل خارج التشوهات التنظيمية للقطاع الخاص، وطرحت إصلاحات تعليمية لتعزيز المهارات لتتماشى مع حاجات السوق، لكن مع ذلك ما زالت دول مجلس التعاون الخليجي متأخرة في تأمين بيئة أعمال ممكنّة وما زالت دول الخليج تعاني ضعفاً في القدرات في صفوف مواطنيها، مضيفاً: أن حكومات دول مجلس التعاون تحوّل الريوع الاقتصادية الواردة من عائدات النفط والغاز لمواطنيها من خلال ثلاث قنوات أساسية تكمن في الخدمات والمنافع العامة بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية وقدرة الوصول إلى التمويل وهذا الأمر يشمل جميع المواطنين، أما للموظفين فإن الحكومات توفر فرص العمل في القطاع العام لقاء رواتب ومنافع أعلى بكثير من تلك التي يمنحها لهم القطاع الخاص، ولأصحاب الأعمال تمنح الحكومات الخليجية عقود وتراخيص حصرية مما يسمح لهم بكسب عائدات وأرباح فائضة، وهذه القنوات الثلاثة تسمح لمواطني دول المجلس بالوصول إلى حصتهم الشرعية من ثروة النفط والغاز في بلادهم، وتضع هذه القنوات العقد الاجتماعي قيد التنفيذ ولن يكون من السهل إعادة التفاوض بشأنها حتى لو تضاءلت عائدات النفط والغاز، والإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها إلغاء أحد هذه القنوات من دون إنشاء قنوات بديلة لتوزيع ريوع الموارد الطبيعية مصيرها الفشل، إذ من شأن إعادة النظر في إصلاحات السياسات الاقتصادية من خلال عدسة العقد الاجتماعي أن تطرح أفكاراً جديدة بالنسبة لهذه السياسات.
وقال د. نادر القباني: أن دول مجلس التعاون ركزت على تحسين المنافع والخدمات العامة وبدأ ذلك من التعليم والصحة والمرافق العامة لكنه سرعان ما توسع ليشمل القطاعات الأخرى من بينها العمل المصرفي والتمويل والاتصالات والنقل، ومن هنا ينبغي منح المستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها من الجهات المزودة للخدمات العامة استقلالية مالية أكبر وتأسيس الهبات للحرص على استدامتها، وفي وسع هذه الدول أيضاً تشجيع المواطنين الأثرياء على تمويل الخدمات الاجتماعية من خلال مبادرات فردية غير ربحية، كما أن على دول مجلس التعاون مراجعة دور الحكومات وتحديد القطاعات التي يمكن أن تدار بشكل فعال أكثر من قبل القطاع الخاص أو المجتمع المدني.
وحول تحسين تنظيم شركات القطاع العام أشار وزميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكنجز في واشنطن إلى أن الكثير من القطاعات بات تحت سيطرة شركات كبيرة تملكها أو تديرها الحكومة وبالرغم من دور هذه الشركات المهم في تحفيز التحديث والابتكار فعلى مر الزمن باتت تسيطر على القطاعات التابعة لها وتنشئ حواجز بيروقراطية للمنافسة فيها ولابد على دول المجلس اليوم وضع استراتيجية واضحة لتحديد القطاعات التي ستعمل فيها الشركات العامة وترك القطاعات التي ستعمل فيها الشركات العامة وترك القطاعات الأخرى بمنأى عن تدخلاتها، كما أن على الشركات العامة أيضاً أن تكون شفافة في حفظ السجلات والحرص على أن تكون الإعانات والدعم الذي تتلقاها من الدولة واضحة ومحددة، كما ينبغي على الدول إنشاء حاجز حماية بين الشركات العامة والوكالات التنظيمية للقطاعات التي تعمل فيها.
وأكد أن جزء كبيراً من نشاط القطاع الخاص مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بالانفاق والعقود الحكومية المملولة بدورها من خلال عائدات النفط والغاز ويميل ذلك لإفادة الشركات العامة والشركات الخاصة ذات المحسوبة على حساب الشركات الأخرى، هذا السعي إلى الريوع هو جزء من العقد الاجتماعي الحاكم وسوف يستمر لكن يمكن التخفيف من حدته وحصره بقطاعات ونشاطات اقتصادية محددة، وينبغي على دول الخليج أن تبقي القطاعات الموجهة نحو النمو والتصدير والتي لا تعتمد على العائدات من النفط والغاز بمنأى عن التدخلات الداخلية، وعلى دول مجلس التعاون أيضاً المتابعة بتوسيع مناطقها الحرة ولاسيما تلك المركزة على القطاعات الخالية من النفوذ، وعليها أيضاً متابعة جهودها للتخفيف من التنظيمات وتخصيص حصة من العقود والتمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة والحرص على تسديد الدفعات في الوقت المناسب.
وحول معالجة تحديات التوظيف قال د. نادر القباني : أن الحكومات في دول مجلس التعاون تمنح مواطنيها قدرة الوصول إلى حصتهم الشرعية من الريوع الاقتصادية من خلال وظائف القطاع العام التي تحظى برواتب ومنافع عالية ويؤثر هذا الوضع في خيارات المواطنين بالنسبة للدراسة والمسارات المهنية، كما يخلق سوق عمل مجرأة يهيمن فيها العمال الوافدون على القطاع الخاص، وتسعى دول الخليج للتقليل من الفوارق في الأجور بين القطاعين العام والخاص وبين المواطنين والوافدين في القطاع الخاص من خلال إعانات الأجور للمواطنين ورسوم أعلى لعمل الوافدين، لكن هذا سيحد من تنافسية القطاع الخاص والتنويع الاقتصادي، وتتمحور هنا استراتيجية فعالة أكثر حول جعل هذه القناة للحصول على الريوع الاقتصادية أكثر وضوحاً فيدفع أصحاب العمل للمواطنين راتباً يعتبر عادلاً في السوق وتكمل الدولة ذلك براتب اجتماعي أساسي تعكس حصتهم من الريوع الاقتصادية .. مؤكداً أن نضوب الموارد الطبيعية في دول مجلس التعاون قادم لا محال ويجب على الحكومات البدء في إعادة صياغة العقد الاجتماعي بما يتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة بالحوار الصريح مع الجميع.
وعدد القباني الخطوات المقبلة التي ينصح دول مجلس التعاون الخليجي بانتهاجها قائلاً: ينبغي على الجهود بشأن السياسات التي تهدف إلى التنويع الاقتصادي أن تأخذ في الحسبان السلوك الشرعي لمواطنيها للسعي وراء الريع، كما ينبغي على حكومات دول المجلس الانخراط في حوار صريح مع مواطنيها حيال القيود المالية التي تواجهها وحيال الخيارات المستقبلية، ثم عليها إعادة كتابة المعايير للعقد الاجتماعي الحاكم بطريقة يمكن اعتبارها عادلة ومتكافئة، وينبعي أن نفترض إعادة التفاوض هذه أن يتخلى المواطنون العاديون والنخب السياسية على حد سواء عن بعض منافعهم وامتيازاتهم.