بقلم:محمد بن محفوظ العارضي
شهد شهر أبريل الفائت إنجازاً جديداً في مسيرة البورصة العمانية، حيث تعمل الآن سوق مسقط للأوراق المالية تحت اسم جديد هو “بورصة مسقط”، وذلك في إطار تحولها إلى شركة مساهمة مغلقة تحت مظلة جهاز الاستثمار العماني. ووفقاً لهذه الهوية الجديدة، تطمح البورصة لأن تصبح شركة مدرجة في المستقبل والاستمرار في تبني أفضل الممارسات العالمية.
وقد تم تشكيل مجلس الإدارة الجديد للإشراف على عمليات بورصة مسقط، ويشرفني في هذا الصدد تعييني رئيساً لمجلس إدارة البورصة.
إننا نمر حالياً في مفترق طرق تشهد فيه عدة دول حول العالم مرحلة التعافي الاجتماعي والاقتصادي من وباء كوفيد-19. كما تطمح الدول الآن إلى الانتقال لمرحلة نمو جديدة بعد فترة طويلة من المخاوف وانخفاض الروح المعنوية.
وقد كان العامان الفائتان حافلين بالمشاعر المختلطة بالنسبة إلى سلطنة عُمان. ففي حين كان العمانيون يشعرون بالحزن الشديد على رحيل قائدهم السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، دخلت البلاد حقبة جديدة من النهضة تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي نجح في توجيه دفة السلطنة في التعامل مع الوباء وحافظ على وحدة البلاد وتماسكها خلال هذه الأوقات الصعبة عبر التركيز على الأهداف المشتركة لتعزيز مستقبل السلطنة.
إن هذه الفترة غير المسبوقة تتطلب إجراءات استثنائية، ونظراً إلى المخاوف ومشاعر الألم والفقدان التي اعترت الناس، أدرك العالم ضرورة التضامن والتعاون لتحقيق التقدم. وقد يكون هذا على المدى البعيد بداية لجهود مشتركة وجديدة لمجابهة السياسات الحمائية المتزايدة حالياً.
لطالما افتخرت السلطنة بعملها الجماعي مع الدول الأخرى، كما أن مواطنينا لديهم ارتباط شديد بهويتهم الوطنية، ولطالما كان التزام الشعب العُماني بخدمة المجتمع عاملاً أساسياً في تقدم البلاد.
ومع بدء التعافي الاقتصادي في السلطنة، يجب أن نتذكر الرؤية التي وضعتها قيادتنا الرشيدة لبلادنا والتي حددت بموجبها قطاعات الخدمات اللوجستية والسياحة والتعدين والتصنيع ومزارع الأسماك على أنها المحركات الاقتصادية المستقبلية. من ناحيتها، ستمثل البورصة بموجب هويتها الجديدة، منصة مثالية لتحول الأعمال ونموها في السلطنة، وستكون محفزاً ضرورياً للاقتصاد في هذه الفترة. ونظراً إلى إرث ريادة الأعمال الطويل والعريق في السلطنة، فإننا نرحب بهذه المستجدات التي ستوفر للشركات طرقاً جديدة للنجاح وتحقيق الفائدة لجميع أصحاب المصلحة.
بلا شك فإن البورصة ستؤدي دوراً حيوياً في إنعاش الاقتصاد العماني من خلال تمكين الشركات ومشاريع التنمية الاقتصادية من الحصول على التمويل بشكل أفضل من قبل. ومن المتوقع أن تقوم عدة شركات حكومية بإدراج أسهمها في البورصة خلال الأعوام المقبلة.
وتستعد بورصة مسقط لأن تؤدي دوراً مهماً في الأسواق المالية الإقليمية والدولية عبر تنفيذ عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز أداء الشركات المدرجة فيها وتوفير مستويات أكبر من الشفافية للمستثمرين، وزيادة الفعالية التشغيلية، وخلق فرص وأدوات جديدة للمشاركين في السوق.
ومن شأن إدراج أي شركة في بورصة مسقط أن يوفر ميزات عديدة للأعمال وأصحاب المصلحة. فعلاوة على توليد القيمة السوقية، ستضمن عملية الإدراج استدامة الشركات العائلية والشركات الصغيرة والمتوسطة، وستمكّن الشركات من جمع رأس المال لتحقيق أهداف التوسع وتعزيز القدرة الإنتاجية وتنويع الاهتمامات لزيادة العوائد وخلق فرص عمل أكثر.
وبإمكان الشركات المدرجة الاستفادة من الفرص الجديدة للنمو وإظهار قدرتها على المنافسة في مواجهة الشركات الأكبر والأكثر خبرة في السوق.
إن إدراج الشركات في بورصة مسقط سيسهم أيضاً في تعزيز سمعة تلك الشركات عبر إضفاء الموثوقية والترويج لعلاماتها التجارية المؤسسية والاستهلاكية أمام الجمهور. كما يُنظر إلى عملية الإدراج على أنها علامة ثقة، وستقود كذلك إلى ثقة أكبر بين أصحاب المصلحة، ما يساعد على استقطاب أفضل المواهب والعملاء وشركاء الأعمال والمستثمرين من ذوي الثروات، خاصة أن المستثمرين الأجانب هم الأكثر استعداداً لاستكشاف الفرص في الشركات المدرجة.
تقدم الشركات المدرجة كذلك أسهماً لموظفيها كحوافز، وهذا يساعد على تحقيق أهداف الموارد البشرية واستقطاب قوى العمل المتميزة والحفاظ عليها على المدى البعيد وتعزيز إشراك الموظفين وتفاعلهم.
لا شك أن الثقة بين أوساط الموردين والمستثمرين والعملاء ستزداد مع مرور الوقت وستعزز قدرة التفاوض لدى الشركات. وسوف تستفيد الشركات التي تسعى إلى توسعة نطاق عملها والخروج من دائرة السوق المحلية، بشكل كبير من مثل هذه المبادرات.
إن ارتفاع مستوى الشفافية المترافق مع عملية الإدراج سيعزز من نهج المحاسبة والتنافسية، وسيدفع الشركات إلى العمل بشكل أكثر أخلاقية وتطبيق أفضل الممارسات العالمية تماشياً مع أهدافنا الوطنية الرامية للحد من الفساد في القطاع الخاص.
لقد جاء إطلاق الهوية الجديدة للبورصة في وقته المثالي لإضفاء بُعد جديد على مشهد الأعمال في السلطنة. وإن التحديات التي واجهتها البلاد نتيجة الوباء ستعزز من وحدتنا. وكلي ثقة بأن السلطنة ستكون في طليعة الدول المتجهة نحو التعافي والتحول والنمو وتحقيق أهدافها التنموية بدعم من بورصة مسقط والفرص الجديدة المتاحة في الأفق.