معادلة روسية للشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٨:٣٥ ص
معادلة روسية للشرق الأوسط

شلومو بن عامي

بعد سنوات من الاكتفاء بالمشاهدة من خارج الميدان، عادت روسيا إلى وسط الملعب الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط. وعلى خلفية السياسة الأميركية الملتبسة المبهمة، يُعَد تدخل روسيا المحسوب في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا حالة نادرة أفضى فيها الاستخدام المحدود للقوة في المنطقة إلى تحرك دبلوماسي جوهري.
في مقابلة أجراها معه مؤخرا جيفري جولدبرج، كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تصوره لعدد من مجالات السياسة الخارجية الرئيسية، وخاصة الشرق الأوسط. وبأسلوب ساخر ينضح بالازدراء لحلفائه الأوروبيين ومستشاريه الأمنيين، بمن فيهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي أيدت التدخل العسكري في سوريا، لم يحاول أوباما تنميق عباراته في تصويره القَدَري للمنطقة المضطربة.
وفقا لأوباما، لا تستطيع أميركا أن تفعل الكثير، إن كان بوسعها أن تفعل أي شيء، لتثبيت استقرار الشرق الأوسط. حتى أنه ادعى الفخر بعدم وضع "الخط الأحمر" الذي رسمه عام 2012 بشأن استخدام الرئيس السوري للأسلحة الكيميائية موضع التنفيذ، لأن لا القانون الدولي ولا الكونجرس الأميركي كان ليجيز التدخل. وأكَّد أوباما أن ذلك القرار ساعد في تمكين التوصل إلى اتفاق، بالتعاون مع روسيا، لإزالة معظم المخزون من الأسلحة الكيميائية لدى سوريا.
ولكن ربما كان قرار عدم وضع الخط الأحمر موضع التنفيذ من خلال الضربات الجوية ليسفر أيضا عن "انسلال الشرق الأوسط من قبضة أميركا"، على حد تعبير جولدبرج. والواقع أن الولايات المتحدة خسرت أصولا استراتيجية مهمة في الشرق الأوسط لصالح قوى غير ودية، من روسيا إلى تنظيم داعش. وإذا أضفنا إلى هذا تنفير الحلفاء المقربين، الذين يشك كثيرون منهم في قدرة أو رغبة الولايات المتحدة، التي تركز جُل اهتمامها على آسيا، في الوقوف إلى جانبهم، فسوف يتبين لنا كم كان اقتراح أوباما بأن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تركز على الشرق الأوسط مروعا وصادما.
بطبيعة الحال، يتمثل أحد الدوافع الأساسية وراء تحفظ أوباما بشأن المشاركة في الشرق الأوسط في الخوف من تكرار الأخطاء التي أسفرت عن توريط الولايات المتحدة في مستنقع أفغانستان والعراق ــ نتيجة لما أسماه أوباما "انجراف حكومة الولايات المتحدة نحو حرب في بلاد المسلمين". ولكن بوتن أثبت للتو أن التدخل العسكري في الشرق الأوسط لا يقود بالضرورة إلى مستنقع. بل وبما يتناقض تماما مع توقعات أوباما المتشائمة، ربما تساعد العملية التي نفذتها روسيا في سوريا في دفع التسوية السياسية إلى الأمام.
فمن خلال رفض الانجرار إلى حرب طويلة ومكلفة وربما تسمح للأسد باستعادة أغلب أراضي سوريا، خلق بوتن بحكم الأمر الواقع طريقا مسدودا، الأمر الذي يفرض على كل من النظام والمعارضة الانخراط بجدية في محادثات السلام في جنيف. ويقول منذر ماخوس، المتحدث باسم المعارضة السورية، إن قرار الانسحاب الروسي "يغير الموقف برمته".
ولكن على أي شاكلة قد تأتي التسوية السياسية؟ تناصر روسيا خيارا يتمثل في النظام الفيدرالي؛ والواقع أن التقسيمات الإقليمية التي خلفتها العملية الروسية ربما تشكل الأساس لمثل هذا النظام. فمن الممكن أن يسيطر العلويون الموالون للأسد على منطقة في الغرب تمتد من اللاذقية في الشمال إلى دمشق في الجنوب، ومن الممكن إنشاء منطقة حكم ذاتي للأكراد السوريين في الشمال الشرقي، مع ترك بقية البلاد للمعارضة السُنّية.
بيد أن السلام لم يصبح بعد قاب قوسين أو أدنى. فلا تزال إيران والمملكة العربية السعودية، في ظِل تواجد وكلائهما على الأرض، على خلاف بشأن كيفية حل الصراع؛ وتنهمك تركيا في حرب خاصة بها ضد الأكراد؛ وتظل المعارضة السُنّية غير راغبة في التنازل. وإذا استسلم الأسد لإغراء استرداد حلب، فمن المؤكد أن المتمردين لن يترددوا في كسر وقف إطلاق النار وتفجير العملية السياسية برمتها.
ولكن حتى في غياب التسوية السياسية، كانت إنجازات بوتن الاستراتيجية لافتة للنظر. فقد أنقذت العملية العسكرية التي نفذتها روسيا حليفها المعرض للخطر بشار الأسد من الهزيمة وأمنت قاعدتها الجوية في اللاذقية ووجودها البحري هناك في طرطوس. وسوف تسمح له هذه المعاقل بتحدي سيطرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
خلاصة القول إن روسيا نجحت في تعزيز مركزها كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط. ولأن الولايات المتحدة كانت إلى حد كبير تسير على خطى روسيا في الصراع السوري منذ بدأت الأزمة حول أسلحة الأسد الكيمائية، فإن قادة الشرق الأوسط يتحولون باتجاه موسكو وليس واشنطن، في سعيهم إلى تحقيق مصالحهم. فمن المقرر أن يقوم عاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة الكرملين هذا الشهر لمناقشة التعاون الاقتصادي بمليارات الدولارات. أما عن إيران غريمة المملكة العربية السعودية، فقد قام علي أكبر ولاياتي كبير مستشاري آية الله على خامئني بزيارة موسكو في فبراير.
ومن جانبها، جازفت إسرائيل بإثارة أزمة دبلوماسية مع أستراليا الشهر الفائت عندما ألغت بشكل مفاجئ زيارة رسمية كان من المقرر أن يقوم بها إلى أستراليا الرئيس رؤوفين ريفلين، الذي توجه بدلا من ذلك إلى موسكو لعقد اجتماع عاجل مع بوتن. (وقد حدث ذلك بعد إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاجتماع مخطط له مع أوباما في واشنطن، من دون حتى أن يكلف نفسه عناء إبلاغ البيت الأبيض بذلك رسميا).
كان الهجوم العسكري الروسي نعمة بالنسبة لإسرائيل، لأنه سوف يمنع محور إيران-حزب الله-الأسد من إملاء نتيجة الصراع السوري. وبعد تنسيق كامل مع الروس على الجبهة السورية، تتوقع إسرائيل الآن أن يعمل بوتن على إبقاء القوات الإيرانية بعيدا عن حدودها على هضبة الجولان، والمساعدة في إعادة مراقبي الأمم المتحدة إلى المنطقة.
من المؤكد أن بوتن ليس قريبا بأي حال من الأحوال من تأمين العودة إلى أيام الاتحاد السوفييتي الإمبراطورية في الشرق الأوسط ــ خاصة وأن قدرة روسيا على دعم عملية عسكرية خارج حدودها لفترة طويلة تظل محدودة بشدة. ولكن استخدامه الذكي للقوة الصارمة لتحقيق أهداف محددة ممكنة في سوريا جعل من روسيا بؤرة اهتمام القوى الرئيسية في الشرق الأوسط ــ وخلق تحديا جيوسياسيا خطيرا للولايات المتحدة. ومن الواضح أن رئيس الولايات المتحدة المقبل سوف يضطر إلى إعادة النظر في الاستراتيجية التي تنتهجها الولايات المتحدة في المنطقة.

وزير خارجية إسرائيل الأسبق،