الحقيقة بشأن معدلات الباحثين عن عمل الصينية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٠٥ ص
الحقيقة بشأن معدلات الباحثين عن عمل الصينية

تشانج جون

منذ العام 2002، شهد اقتصاد الصين تغيرات كبيرة، بما في ذلك التحول من تسارع إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي. ورغم هذا فإن معدل الباحثين عن عمل الرسمي في المناطق الحضرية، والذي يصدر بشكل مشترك عن المكتب الوطني للإحصاء ووزارة العمل والضمان الاجتماعي، ظَلّ ثابتا بشكل ملحوظ عند مستوى 4% إلى 4.1%. ومنذ العام 2010، توقف عند مستوى 4.1% على وجه التحديد. وهو أمر مدهش على أقل تقدير ــ حتى أنه دفع بعض المراقبين إلى التساؤل حول ما إذا كان المكتب الوطني للإحصاء يتلاعب بالأرقام.
الواقع أن المكتب الوطني للإحصاء لا يكذب؛ بل إنه يفتقر إلى البيانات ببساطة. ذلك أن معدل الباحثين عن عمل الذي يقدمه المكتب الوطني للإحصاء يعكس عدد سكان المناطق الحضرية المسجلين الذين تقدموا للحكومة بطلب الحصول على استحقاقات البطالة. ولكن خلافا للحال في الدول المتقدمة، يعمل التأمين التدريجي ضد الباحثين عن عمل وبرامج إعادة التشغيل المتخلفة على إضعاف الحافز لدى الناس لطلب المساعدة. ونتيجة لهذا، تصبح أرقام البطالة الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء بعيدة كل البُعد عن الدقة.
وقد تحركت حكومة الصين لعلاج هذا الخلل، من خلال إجراء دراسات مسح للبطالة في المناطق الحضرية، ولكن على الرغم من جمع هذه البيانات قبل عشر سنوات فإنها لم تنشر بعد.
وبدلا من الاستعانة بأرقام رسمية مقنعة، أخذ بعض خبراء الاقتصاد الأمر على عاتقهم، مستخدمين البيانات الصادرة عن دراسة مسح الأسر في المناطق الحضرية لتقدير معدل الباحثين عن عمل الحقيقي. وباستقراء بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية التي تم جمعها في ستة أقاليم، استنتج جون هان، وجون سين تشانج على سبيل المثال أن الباحثين عن عمل الصينية في الفترة 2005-2006 كانت نحو 10% تقريبا. وباستخدام بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية من كل أقاليم الصين تقريبا، احتسب فنج شواي تشانج، وهيو ينج ياو، وروبرت موفيت متوسط معدل البطالة في المناطق الحضرية عند مستوى 10.9% في الفترة من 2002 إلى 2009 ــ وهو أعلى تقدير على الإطلاق.
ولكن هذه التقديرات مجرد تقديرات. لأن بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية غير متوفرة بحرية، كما يحصل أشخاص مختلفون على نتائج عن سنوات وأقاليم مختلفة من المصادر المتعددة التي يمكنهم الوصول إليها. وقد تسبب هذا في إحباط الباحثين، كما أسفر عن تقديرات تتسم بنطاقات واسعة إلى الحد الذي يجعلها غير ذات أهمية إحصائية.
في بحثنا الخاص في جامعة فودان في شنغهاي، تمكنت أنا واثنين من طالبي الدكتوراه أشرف عليهما، وهما لي هينج شو، وهوي هوي تشانج، من الحصول على مدد واسع إلى حد معقول من الإحصاءات الرسمية: بيانات الفترة 2005-2012 لأربعة أقاليم، وبيانات الفترة 2005-2009 لثلاثة أقاليم، وبيانات شهرية للفترة 2010-2012 لأربعة من هذه الأقاليم السبعة. ورغم أن العينة صغيرة من الناحية الفنية، فإن الأقاليم التي حصلنا على بياناتها تمثل المناطق الساحلية والداخلية والشمالية الشرقية. ومع إجراء التعديلات والمعالجة المناسبة، تمكنا من استنتاج معدلات البطالة في أشكال مختلفة من الأقاليم والبلديات، وبالتالي نجحنا في تقدير معدل البطالة الحقيقي على مستوى البلاد بالكامل.
وقد وجدنا أنه برغم أن معدل الباحثين عن عمل في المناطق الحضرية في الصين ربما كان مرتفعا للغاية في العام 2005، عند مستوى 10.7%، فقد انخفض المعدل في الأرجح على مدى العقد الماضي، لكي يصل إلى 7% في العام 2012. وهذا يجعل المتوسط السنوي للفترة 2005-2012 عند مستوى 8.5%. (هناك علاقة ارتباط بين هذه النتائج والنتائج الأخرى التي توصلنا إليها وبين تحليل مستعرض للبيانات الرسمية، بمعنى أن بيانات البطالة المسجلة، التي أخضعت لمثل هذا التحليل، ربما تخدم كوكيل لمعدل البطالة الحقيقي).
علاوة على ذلك، وفي حين أسهم نمو الناتج المحلي الإجمالي السريع في انخفاض معدل الباحثين عن عمل في العام 2007 على سبيل المثال، فقد استمر معدل البطالة في الانخفاض حتى بعد أن بدأت الأزمة المالية العالمية عام 2008 في إضعاف الأداء الاقتصادي. وكان أغلب خبراء الاقتصاد ليفترضوا أن انخفاض معدل البطالة في وقت اتسم بتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي يرتبط بانخفاض معدل المشاركة في قوة العمل. ولكن حساباتنا، التي تستند إلى بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية، تُظهِر أن المشاركة في قوة العمل في الصين ازدادت في واقع الأمر بشكل طفيف بعد عام 2008، مع تناقص عدد العاملين الذين يخرجون من سوق العمل. بعبارة أخرى، تسارع نمو العمالة في الصين في السنوات الأخيرة، حتى مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكن تفسير هذا جزئيا بالتحول البنيوي الجاري في الاقتصاد الصيني، من نموذج النمو القائم على التصنيع إلى نموذج قائم على الخدمات يعمل على تمكين المبدعين في القطاع الخاص. وكما تُظهِر بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية، فإن هذا التحول أدى إلى خلق فرص العمل بشكل مستمر في قطاع الخدمات في الفترة 2005-2012.
أما ما لم يحدث فهو التدمير الملموس لفرص العمل في قطاعي الدولة والصناعات التحويلية، وخاصة منذ عام 2009. فكما تشير بيانات مسح الأسر في المناطق الحضرية، يستغرق العامل العاطل عن العمل للعثور على وظيفة جديدة في قطاع الخدمات والقطاعات غير الحكومية وقتا أقصر في المتوسط من ذلك الذي يستغرقه للعثور على وظيفة جديدة في قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الدولة. وإذا بدأ قطاعي الدولة والصناعات التحويلية في الاستغناء عن المزيد من الموظفين، فإن معدلات البطالة في المناطق الحضرية سوف ترتفع حتما.

أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية في جامعة فودان.