بقلم: باتريس كين، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة تاليس
التعرف على الوجه، شبكة الجيل الخامس، الذكاء الاصطناعي، التتبع الرقمي ... جميعها ابتكارات تهدف إلى تحسين حياتنا، لكن لا يمكننا إنكار وجود مخاوف متزايدة من تغلغلها العميق في شتى نواحي حياتنا.
أفهم تماما هذا التحفظ لدى البعض، فهي مخاوف مشروعة، والنقاش فيها مهم، لا سيما في مجالات مثل النقل والأمن والدفاع والتي يمكن أن تتعرض فيها الأرواح للخطر. ومن المؤكد ن هذه التساؤلات بحاجة لإجابات وافية. لأنه فقط من خلال معالجة الشك وعدم اليقين المحيط ببعض الابتكارات سنتمكن من استعادة ثقة الناس في التقنيات الجديدة وتلبية معايير القبول العام.
نحن في تاليس، ندرك جيدًا هذه المشكلات ونؤمن أنه بإمكاننا المساعدة في الإجابة على بعض هذه التساؤلات المهمة. لقد قمنا بتصميم حلولنا عالية التقنية لتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع، ونستثمر بكثافة لضمان تحقيق ذلك الهدف. نحن نقدر كادرنا البشري الذين هم رأس مالنا، مع 33,000 مهندس بحث وتطوير و3000 باحث، ونخصص موارد مالية كبيرة لدعم جهودنا الابتكارية، مع أكثر من مليار يورو في البحث والتطوير الممول ذاتيًا خلال العام الماضي وحده. ونواصل الاستثمار في سياسة الابتكار المفتوح، مع 1000 شركة ناشئة مؤهلة على مدى السنوات الخمس الماضية، و30 اتفاقية مع الجامعات ومراكز البحث والتطوير حول العالم، و20 مختبرًا مشتركًا مع المعاهد البحثية الرائدة*.
لكن مهمتنا لا تنتهي عند هذا الحد. فدورنا يشمل أيضا تعزيز ما يمكن تسميته بـ “الابتكار المستنير". إن القدرة على شرح ما نقوم به ولماذا نقوم به، والتأكد من أننا نفي بالتزاماتنا الأخلاقية، هو المفتاح لاستعادة ثقة الناس في التكنولوجيا، ليس كغاية في حد ذاتها ولكن كمصدر للتقدم البشري.
ولكن كيف سيثق الناس في أي أداة أو تقنية إذا لم يفهموا كيفية عملها خاصة تلك التي لديها القدرة على التغلب على التحديات التي تبدو مستعصية في عالم يزداد تعقيدًا.
هذا هو جوهر مجموعة تاليس المتمثل في شعارها "بناء مستقبل يمكننا جميعا الوثوق به". ستحتاج الشركات إلى لعب دورها في المجتمع من خلال التعامل مع مختلف الأطراف المهنية (الموظفين، العملاء، الموردين، المساهمين، الحكومات، إلخ). وهو دور مهم بشكل خاص اليوم، في عالم الأخبار المزيفة والشكوك المتزايدة.
"لكي تثق بشخص ما، فأنت بحاجة إلى معرفته خير معرفة؛ والأمر نفسه ينطبق على الابتكارات التكنولوجية."
لطالما أثار التقدم التقني التساؤلات والقلق. والتاريخ يتذكر الخوف المحيط بأولى القطارات البخارية، والاحتجاجات العارمة ضد آلات النسج الجديدة في إنجلترا خلال القرن التاسع عشر.
لكن اليوم، تتضخم هذه الردود بسبب الطبيعة غير المادية للعديد من الابتكارات الحديثة. فمثلا، عرف عمال المطاحن في القرن 19 بشكل حدسي إلى حد ما كيفية عمل النول الميكانيكي، وكان لدى أسلافنا تصور أساسي بالآلية التي تقوم عليها القطارات البخارية أو السيارات الأولى. وبشكل عام، كانت مخاوفهم مرتبطة بالاضطرابات التي قد تسببها هذه الآلات الجديدة على أعمالهم والخوف من فقدان وظائفهم، أو القلق من المجهول، كأن يتسبب السفر بسرعة كبيرة ولمسافات شاسعة في تعطيل الزمان والمكان.
أما اليوم، فليس لدى معظم الناس فكرة عن كيفية عمل هواتفهم الذكية. فهم يشاركون معظم تفاصيلهم الشخصية مع حاسبات في "السحابة". أما بالنسبة لإنترنت الأشياء، وعلى الرغم من كل الأحاديث حولها، هل يعي أحد منا حقا ما هي بالفعل؟
لكي تثق بشخص ما، فأنت بحاجة إلى معرفته خير معرفه، من أين أتى، وما الذي يسعى خلفه. والأمر نفسه ينطبق على الابتكارات التكنولوجية. فالمعرفة تولد الثقة، والجهل يولد الخوف والكره وأنصاف الحقائق ونظريات المؤامرة.
هناك طريقة واحدة فقط لبناء أو إعادة بناء ثقة الناس بالتكنولوجيا - وهي التعليم. وبينما تلعب أنظمتنا المدرسية دورًا مهمًا في نشر الفهم الأساسي بالأدوات والتقنيات التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، على الشركات التكنولوجية لعب دور حاسم في ذلك.
"التكنولوجيا في طبيعتها المجردة ليست ذا طابع جيد ولا سيئ للبشرية - فذلك مرهون بكيفية استخدام الناس لها."
لكي تُعتبر شركات التكنولوجيا جديرة بالثقة، عليها التصرف بمسؤولية وبصراحة، وتثقيف عملائهم وشرح ابتكاراتهم. والتكنولوجيا في طبيعتها المجردة ليست جيدة ولا سيئة للبشرية - فذلك مرهون بكيفية استخدام الناس لها. ونحن كمستخدمين لها نحتاج إلى رؤية مستنيرة لمزاياها وقيودها كي نتمكن من تشكيل آراء واعية.
قد يكون من الصعب إقناع عامة الناس بفوائد التكنولوجيا الجديدة. فعلى سبيل المثال، جلب اكتشاف النشاط الإشعاعي فوائد لا تُحصى للمجال الطبي من جهة، ومن جهة أخرى فتح الباب أمام تطوير أسلحة الدمار الشامل. فهل نلوم ماري كوري على هذه العواقب الوخيمة؟ أم أن المسؤولية تقع على عاتق المستخدمين؟
مصادر القلق اليوم هي جرائم الإنترنت وانتهاك الخصوصية و"نهوض الآلات". ولا يمكننا التغلب على هذه المخاوف إلا من خلال شرحها بشكل مبسط وشفاف. لذا طورنا نهجنا (Thales TrUE AI) الذي يهدف إلى إعادة سيطرة الإنسان على التكنولوجيا المتقدمة. فنحن نؤمن أنه لا يمكنك توقع ثقة الناس بالذكاء الاصطناعي إلا إذا اتسمت بالشفافية (يمكن رؤية أنها تلبي المواصفات وتتبع قواعد واضحة)، وقابلية الفهم (يمكن أن تفسر سبب اتخاذ القرار وتنفيذه بلغة مفهومة للبشر)، والنزاهة (أن تتوافق مع الأطر القانونية والأخلاقية).
وعلى نفس المنوال تواظب تاليس كل عام على نشر تقريرها للتهديدات السيبرانية. فالفكرة ليست الترويج لحلولنا بقدر ما هي تقديم درجة من التنوير حول الموضوعات ذات الأهمية التكنولوجية والمجتمعية.
وفي تاليس، نعتبر أن من مسؤوليتنا شرح الأمور، ليس فقط للجمهور العام، ولكن أيضًا عبر تفاعلاتنا اليومية مع عملائنا. لأننا نؤمن إيمانا راسخا بأن الذكاء البشري هو جزء لا يتجزأ من الاستجابة لتحديات العصر الكبرى، وأنه لا توجد مشكلة أو قضية يصعب حلها من خلال التقدم العلمي والتقني.
*CEA، CNRS، معهد آلان تورينج (المملكة المتحدة)، جامعة نانيانغ التكنولوجية (سنغافورة)، IVADO (كندا)، المعهد الهندي للتكنولوجيا (الهند)، إلخ.