رمضان.. بين الأكلات والمسلسلات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/أبريل/٢٠٢١ ٠٨:٢٤ ص
رمضان.. بين الأكلات والمسلسلات

بقلم : محمد محمود عثمان

انماط الاستهلا ك في شهر رمضان أصبحت غير واعية وغير مرضية لأنها مؤشر على وجود خلل في السلوك الاستهلاكي والرسالة الإعلامية والوعي الديني والصحي والثقافة الاقتصادية لدى الجميع،

فقد أصبح استعدادنا لشهرالصوم عبارة عن إعداد قائمة بالمأكولات وجدول وخريطة للمسلسلات والبرامج الرمضانية الأكثر انفتاحا والتي تخرج عن إطار المألوف والتي يتعارض معظمها مع الآداب والأخلاق التي يجب أن نلتزم بها على الأقل خلال هذا الشهر، لأننا نوجد حالة من التناقض الوجداني- التي يعاني منها الأبناء - بين روحانية الصيام في النهار ومحتوى البرامج والمسلسلات في ليالي رمضان ، بعد ان تحول قولنا من «رمضان شهرالقرآن والخيرات والعبادات « إلى « رمضان شهر الأكلات والمسلسلات «لأن واقع الحال الآن هو عدم فهمنا الصحيح للمقاصد الشرعية لهذه الفريضة، التي تجدد الطاقات الروحية للصائمين ، وتتجه نحو تعزيز قيم الترشيد والاقتصاد في الإنفاق، والقصد في الاستهلاك، في مواجهة النزوع الجامح إلى الاستهلاك المنفلت، وهذا يحقق وفرا يُقدربثلث ميزانية الدولة أو الأسرة أو الفرد من الإنفاق السنوي ،لأن البعض يقترض لتغطية نفقات شهر الصيام، على مستوى الدول والأُسر والأفراد.

ناهيك عن التركيز في شهر الصيام على متابعة القنوات الفضائية ، التي تتنافس لجذب المشاهد بعيدا عن الفرائض، وهى متخمة بالعديد من المسلسلات والأفلام والبرامج التي أًنفق عليها الكثيربدعوى تسلية الصائمين ولا أدري هل ذلك بقصد إبعاد الصائمين عن المنهج الرباني في شهر العبادة والرحمانيات وقراءة القرآن ؟ لأننا توسعنا في تقديم برامج الترفية والتسلية وتركيزها بل وحصر عرضها على أيام وليالي شهر رمضان الفضيل ، على الرغم من تكلفتها الباهظة ، حتى في ظل عدم القدرة المالية الناتجة من جائحة كورونا ، والتي تفرض علينا نهجا اقتصاديا أكثرترشيدا وتوفيرا ، وكان من الممكن توجيه هذا الإنفاق لمواجهة مشاكل آلاف العمال المسرحين وأسرهم المتضررة من ذلك ،وهذا مؤشرعلى الخطأ في الإنفاق وفي التعامل مع الطعام خلال هذا الشهر الفضيل ، ومخالف للمنهج الرباني الذي يبين لنا المفاهيم الاقتصادية والتربوية الصحيحة التي لم نعيها جيدا على الرغم من أننا نرددها كثيرا ولكن بلا تعقل «مثل قوله تعالى :» وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا» هذه الآية تحضدنا على عدم الإسراف في الإنفاق فوق الطاقة والتي لا تتناسب مع مستوى الدخل، لأن الاعتدال هو شرط في كل الأمور الحياتية ،وهذا لا يتسق مع طبيعة الصيام أو فهمنا الصحيح للدين ،حيث ينظم القرآن الكريم لنهج حياتنا بقوله سبحانه وتعالى «.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ..» هذا الأمر الرباني واضح ويجب أن نلتزم به في كل أوقات حياتنا كمنهج اقتصادي وتعاليم دينية في الوقت ذاته، وحري بنا أن نطبقه في شهر الصيام ،حتى لا نسرف في الطعام والشراب حتى التخمة ، أونكون أكثر وسطية أو على الأقل لا نبذر ونسرف على خلاف ما تعودنا في أيام السنة العادية ، لأن المنطق يحتم علينا ترشيد الاستهلاك خلافا لما هو قائم في طوال أيام السنة، وقد يكون السبب هو القصورفي الخطاب الديني والإعلامي الذي لم يركز خلال سنوات طويلة على توضيح ذلك لنا وللعامة ، حيث ارتبط لدينا أن شهر رمضان هو شهر الأكلات والمسلسلات والفوازير والترفيه والتسلية ، لأن ما نفعله في شهر الصيام ، على عكس المنطق لأنه على الرغم من الفترة الطويلة التي يتوقف فيها المستهلك عن تناول الطعام والشراب خلال أيام الصيام في شهر رمضان والتي تتجاوز 17 ساعة يومياً، فان معدل الاستهلاك الفردي من السلع والمواد الغذائية يتضاعف 3 مرات عن معدل الاستهلاك العادي ، ما يدل على وجود استنفار حقيقي غير مبررنحو الشراء والتسوق إلى حد السفه في شراء كل مالذ وطاب من أجل الصيام الذي هو بريء من كل ذلك ،كما ارتبط شهر رمضان بتسارع الشركات والمجمعات التجارية إلى تنظيم العروض والتنزيلات على مختلف أنواع المواد الغذائية، وكل السلع والكماليات الأخرى، واعتبار شهر رمضان موسم التسويق السنوي والإنفاق والإسراف ،حيث تتضاعف فاتورة المواد الغذائية ، لأنه حتى إذا تم ذلك في الظروف العادية فإن جائحة كورونا تحتم تعديل وترشيد أنماط الاستهلاك في رمضان

خاصة بعد إصابة الأنشطة الاقتصادية بشبه الشلل التام وتراجع أسعار النفط ، وتوقف الكثير من الشركات عن العمل وزيادة الديون ، وتسريح ملايين العمال الذين أصبحوا بل عمل أودخل وأثر ذلك على ملايين الأسر ، ومن ثم فإن انخفاض الاستهلاك في ظل هذا الوضع هو الأمر المتوقع والمنطقي، وسيما أننا دول تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من المواد الغذائية ،ولذلك من العبث استنفار الحكومات وبذلها الجهود الإضافية لتوفيرشتى السلع التموينية استعدادا لشهر رمضان ، حتى أنها تقوم بالاقتراض من المؤسسات المالية العالمية لتوفير السلع الاستهلاكية لمواطنيها من أجل الصيام ، الذي يقابله سباق محموم على تجهيز كشوف وقوائم المتطلبات الرمضانية وكأننا مقبلون على حرب مع الطعام ، لذك يعد الشهر الفضيل الشهر الأعلى استهلاكاً للغذاء في العالم.