محمد بن محفوظ العارضي
في شهر مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة وعيد الأم، لتكريم المساهمات اللانهائية للمرأة في المجتمع. وجاء شعار «اختيار التغيير» ليزين الاحتفالات العالمية لهذا العام، وهي رسالة ترتبط بشكل وثيق بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لأهدافنا الاجتماعية والاقتصادية في الفترة المقبلة.
لطالما أدت المرأة دوراً محورياً في المجتمع العربي، ليس فقط كمربية ومقدمة رعاية، لكن كقائدة للنمو والابتكار والتنمية. هل تعلمون أن أول جامعة في العالم أسستها امرأة عربية اسمها فاطمة الفهرية، وهي امرأة تونسية أسست جامع وجامعة القرويين في فاس في المغرب عام 859م. ولا يزال نظام الجامعة مستخدماً كنموذج لمؤسسات التعليم العالي التي تخدم ملايين الطلاب اليوم.
وبالطبع، يوجد عدد لا يحصى من الأمثلة المعاصرة أيضاً، مثل الراحلة زها حديد، التي حظيت مساهمتها في مجال الهندسة المعمارية بتقدير العالم كله، والدكتورة حياة سندي، رائدة الاختبارات الطبية والتكنولوجيا البيولوجية.
وخلال العام الفائت، احتفل العمانيون بظهور السيدة الجليلة، عهد بنت عبد الله البوسعيدية، التي عبّرت عن المشاعر الوطنية حول الدور الأساسي الذي تؤديه المرأة في بناء وتعزيز ودعم المؤسسات الأسرية والمجتمعية، وتقديم مساهمات لا حصر لها في سياقات لا تعد ولا تحصى.
ولا يوجد مجال للشك في قدرات المرأة العربية. فقد أثبتت مراراً وتكراراً حدة ذكائها واندفاعها للمساعدة في توجيه منطقتنا نحو أهدافنا. لكن يوجد بالتأكيد مجال لإجراء تقدم وتمكين منهجي يتيح للمرأة العربية إطلاق إمكاناتها بالكامل.
وستساعد تلك التحسينات على تدعيم منطقتنا بطرق متعددة. وبحسب الأمم المتحدة، يعد تمكين المرأة عاملاً أساسياً لتحقيق التكافؤ بين الجنسين، مما يشكل محوراً حيوياً لتمكين الدول من النجاح. كما يُعتبر التمكين الاقتصادي للمرأة وسد الثغرات بين الجنسين عاملاً حاسماً لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتنمو الاقتصادات بمعدل أسرع بكثير عندما تشارك أعداد كبيرة من النساء في القوى العاملة، رغم وجود ثغرات بين الجنسين تكلف الاقتصاد ما يصل إلى 15 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. ويعد التعليم عاملاً مهماً لزيادة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي.
فيما يتعلق بالتعليم، حققت المنطقة إنجازات كبيرة على مدار العقود القليلة الماضية، وتتجه النساء بشكل متزايد نحو الحصول على درجات علمية متقدمة. لكن لا تزال هناك ثغرة ملحوظة بين التعليم والتوظيف.
وتشكل النساء نصف عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي. لكن وفقاً للبنك الدولي، شاركت النساء بنسبة 20.3 بالمئة فقط قي القوى العاملة في المنطقة عام 2018، أي ما يزيد قليلاً عن نصف المعدل العالمي البالغ 39 بالمئة.
وهنا تتضح حاجتنا إلى إلقاء نظرة أكثر قرباً على الأطر المجتمعية والمهنية لدينا لتحديد أوجه قصورها، وتدارس التدابير التي يمكن تنفيذها بشكل عاجل لتمكين أكبر عدد من النساء من الانضمام إلى القوى العاملة والتفوق في مناصبهن.
وفقاً لمركز القيادة الإبداعية، يقود ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في المؤسسة إلى زيادة إجمالية في الرضا عن العمل وإخلاص الموظفين وإتمام المزيد من الأعمال المفيدة وتقليص معدلات الإجهاد عند الموظفين بالإضافة إلى تحسين مشاركتهم واستبقائهم.
لعل السؤال الحقيقي هو ما الذي تتطلع إليه المرأة في أرباب العمل؟ كيف لمديري التوظيف استقطاب النساء وتمكينهن من بلوغ أهدافهن المهنية وتولي مناصب قيادية عليا؟
بالاستناد إلى العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت، يقول مركز القيادة الإبداعية إن المرأة تحب أن ترى في عملها مهنة جذابة لا تقليدية. وهذا ينطبق على المهن التي تناسب جوانب حياتها ككل، بينما تكون مصدر تحفيز، وتتيح لها فرصاً ذات جدوى تلائم قيمها وغايتها وتوازن بين العمل والحياة الشخصية. يتوجب علينا أن نشجع المرأة في أن تمارس ميولها واهتماماتها الطبيعية، بحيث تحافظ على استثمارها في مسيرتها المهنية وتطويرها بينما تسعى إلى تحقيق غاياتها الأوسع.
وتقرّ النساء بأنها تنجذب إلى الوظائف التي تتيح إجازات جيّدة مدفوعة الأجر وتأميناً صحياً متميزاً ودورات تدريبية مدفوعة الأجر ومرونة في المواعيد وفرصاً للنمو.
ومع الانتشار الواسع لمواعيد العمل والبنية التحتية المرنة التي تسمح للموظفين اليوم بالعمل من المنازل عقب تفشي جائحة كوفيد-19، يمكن لأرباب العمل التوسع في الحلول المرنة على المدى الطويل. ومن الخطوات المحمودة في هذا الاتجاه إجراء نقاش مع الموظفين بغرض تحديد درجة المرونة التي من شأنها ضمان الشعور بالرضا وتحقيق نتائج مثالية لدى كافة الأطراف المعنية.
لا شك بأن محاسن العمل المرن تفوق المساوئ بكثير. فمن أبرز فوائده تقليل أوقات التنقل بين المنزل ومقار العمل وزيادة استقلالية الموظف ورفع معنوياته وتقليص معدل الاستقالات وتحسين مستويات الرضا الإجمالي عن العمل.
وتسهم مواعيد العمل المرنة في مساعدة المرأة على الموازنة بين مسؤولياتها في المنزل وواجباتها المهنية.
ومن الجدير بالاهتمام أن القطاع الخاص بحاجة لإعادة النظر في خيارات رعاية الطفل وربما الاستثمار في مرافق داخلية حيثما أمكن. في الوقت الراهن، تسمح بلدان منطقة الخليج كلها للمرأة بأخذ إجازة أمومة مدفوعة الأجر. مع ذلك، لا بد أن تكون عودتها لمكان العمل من جديد انسيابية قدر المستطاع، وعلى أرباب العمل توفير حلول ومرافق تدعمها في ممارسة دورها الجديد.
وأشار مركز القيادة الإبداعية إلى أن المرأة تحبذ الوظائف التي تتيح المساواة والفرص القيادية الحقيقية في مكان العمل. ولذلك، يتعين على أرباب العمل في أرجاء منطقة الخليج تقييم عروضهم من جديد والتأكد من أن الموظفات يشعرن بالترحيب ويتلقين المزايا والأجور وفرص النمو ذاتها التي يتلقاها زملاؤهن من الذكور.
لا شك بأن لتمكين المرأة أثر إيجابي كبير على مجتمع البلاد واقتصادها. إذ تتمتع المرأة العربية بموهبة ورغبة وبراعة طبيعية للارتقاء بمنطقتنا إلى آفاق جديدة.
ولكن في سبيل مساعدة أكبر عدد ممكن من النساء في الاستفادة من طاقاتهن القصوى والإسهام في تحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية، يجب على الفرق القيادية في المؤسسات إدراك وإتاحة العوامل التي تستقطب المواهب النسائية وتستبقيها. إذ يسهم عمل ذلك في إيجاد أماكن عمل متوازنة قائمة على التعاون.
مع تجدد التركيز الإقليمي على تمكين المرأة، فإننا سننجح في الارتقاء بمجتمعاتنا وتعزيز اقتصاداتنا وقيادة بلداننا نحو تطور ونموّ راسخين.