التعمين ليس منة يا نفط عُمان!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٩/مارس/٢٠٢١ ٠٨:٣٤ ص
التعمين ليس منة يا نفط عُمان!

بقلم : علي المطاعني

استوقفني بيان إعلامي نشر عن إتفاقية مناقصات لشركة تنمية نفط عُمان ‏بقيمة 4 بلايين دولار أي أكثر من 1.5 بليون ريال عُماني لأعمال الصيانة للمشروعات النفطية في منطقة إمتياز الشركة ، فأورد بأن الصيانة ستضاعف مستويات التعمين الحالية على مدى سريان هذه العقود لتسهم بذلك في إيجاد عدة آلاف من فرص العمل للمواطنين ، وكأن هذه الفرص مِنة منها ومن الشركات التي فازت بهذه المناقصات ولم تذكر تنمية نفط عُمان كم هي فرص العمل المتاحة في شركات المقاولات التي تعمل تحتها لكي نقارن بدقة بين القوى العاملة الوطنية والأجنبية ، فلا أعرف إلى أي مدى يتم الإستهانة بالمواطنين عند توقيع اتفاقيات حيث يتم التركيز وتسليط الأضواء ساطعة ومبهرة على نقطة (توفير فرص عمل للمواطنين) كصيغة محدثة للمتاجرة بهذا الوتر الحساس، ومن ثم تصوير الأمر كأنهم غير مستحقين لهذه الغنيمة للآسف.. فالبيان الإعلامي للشركة نأى عن كل ما ستقدمه شركة تنمية نفط عُمان من تفاصيل عن أهمية هذه العقود لدعم القطاع الخاص والشركات المحلية وتعزيزها ، وركز فقط على المواطنين لعلمه مدى تأثير هذه النقطة شديدة التوهج على الرأي العام ولتستدر عطفه ومن ثم وضعه مستكينا قانعا أمام حقيقة سطحية تشير إلى أن هذه المناقصات المليونية هدفها الأسمى والأعلى والأهم هو توفير فرص عمل للمواطنين (المساكين).. ومن الأخطاء التي وقع فيها البيان أنه لم يدلل على صحة ما أورده بتوفير آلاف فرص العمل للمواطنين بأيضاح النسبة المئوية للتعمين في الشركات الفائزة الآن ، وكم ستكون النسبة بعد هذه المناقصة ، وماهي آلية التدقيق عليها وليتطابق القول بالعمل ميدانيا ولإضفاء المصداقية والشفافية في هكذا أحوال على مثل هذه المناقصات والبيانات.

نحن لا نقلل من جدوى وحيوية المناقصات المليارية في رفد الأسواق المحلية لكن الدقة مطلوبة في مثل هذه البيانات العملاقة فتأثيرها سلبا أو أيجابا لاخلاف حوله على مجمل إقتصادنا الوطني .. الأمر الذي يفرض ضرورة الكف عن هذه اللهجة في البيانات الصحفية وعدم اللعب بأوراق التعمين بهذا النحو ، ففي الرؤوس عقول تعي وتستوعب ، وهذا ما ينبغي تقديره عاليا قبل الإقدام على نشر هكذا بيانات.

فهذه المشروعات المليارية ليست أملاكا خاصة جادت بها الشركة على أبناء الوطن ، ومن ثم تكرمت وتفضلت عليهم بالوظائف وأنها تنتظر الآن آيات الشكر وعميق التقدير، متناسية بأن كل الذي يتم الحديث عنه هو ملك للوطن ومن ثم للشعب ، ولا يعقل أن نهدى صاحب الورد وردة من وروده ورياحينه ، ولا يعقل أن تعمد الشركة الأولى في مجال النفط والغاز أن تصدر هكذا بيانات تهمس من خلالها على آذاننا المرهفة بأن كل هذا الزخم من المشاريع يهدف لتوفير فرص عمل للعُمانيين ، وليس تنفيذ صيانة دورية لمناطق الإمتياز النفطية التي تخصها ، ويعمل بها عشرات الألاف من العمال الأجانب.

‏لا أعرف في الواقع إن كانت شركة تنمية نفط عُمان تعلم بأن هناك أكثر من 11.000 خريج هندسة في الجامعات والكليات تقدموا إلى 30 وظيفة أعلنت في الفترة الفائتة، وهل تعلم بأن 8.500 خريج إستوفوا المعايير والشروط للوظائف المعروضة ، حدث هذا في الوقت الذي تعج فيه شركتنا الوطنية بالمهندسين الأجانب والخريجين، فالشركة لا يجب عليها أن تتباهى بأن نسبة التعمين لديها بلغت 70% ، إذ عليها أن تعرف كم هي نسبة التعمين في شركات المقاولة لديها ولتقدم لنا بعد ذلك صورة واضحة ودقيقة عن نسب التعمين لديها التي لن تزيد في تقديري عن 20% تقريبا في المجمل.

ان إطلاق ارقام هلامية بتوفير آلاف فرص العمل للمواطنين هو كلام عام بل هو أخف من الهواء لهذا يسافر ببساطة محمولا على أجنحة الخيال ، فالواقع نجده ثابتا كالجبال على الأرض ويقول وبصوت جهور أن التعمين في قطاع النفط والغاز لا يزال في أدنى مستوياته .

بالطبع نعلم بأنه سيكون هناك إستيعاب للمواطنين بحكم أن الشركات الفائزة سوف تطلب عمالة أجنبية لإدارة الصيانة ، وبالتالي سوف تستجيب لنسب التعمين المطلوبة من وزارة العمل ، ولكن في المقابل ‏لا يجب التركيز على هذه الجوانب بأن هذه المشروعات المليارية سوف توفر فرص عمل للمواطنين في حين نغفل بأنها في المقابل سوف تستقدم عمالا أجانب .

نأمل بأن نراعي في إعداد البيانات الإعلامية العقلانية وحصافة ورزانة المنطق ، ومن ثم إحترام قدرات الآخرين على الإستيعاب وعلى إيضاح كل ماهو مستتر ومختبئ خلــــف الكلمــــــات والسطور.