على بن راشد المطاعني
في الوقت الذي نتطلع فيه لأن تلعب هيئة حماية المستهلك دورا مستقلا في حماية المستهلك في السلطنة والعمل بكفاءة عالية في هذا الجانب، إلا أن المشاركة في أعمال (business) مع المتاجر والشركات التي يفترض أنها تراقبها فيه شيء من حتى، وتحت (حتى) هذه نضع العديد من الخطوط الحمراء والتي يجب أن لا تقترب الهيئة منها أصلا ناهيك عن ملامستها حفاظا على هيبتها وتأكيدا على أنها تقف على بعد مسافة واحدة من الجميع وهم التاجر والمستهلك.
فمسألة طرح سلة رمضانية تحتوي على 19 سلعة بسعر عشرة ريالات في شهر رمضان المبارك بالتعاون مع 10 مراكز تجارية يجب أن تتوقف لما يحمله هذا التوجه من تضارب في المصالح وازدواجية في الأدوار مع الجمعيات الخيرية وغيرها من الجهات ذات العلاقة بالعمل الخيري وكذلك التجاري، الأمر الذي يفرض على الهيئة الإرتقاء بدورها وحوكمة أعمالها بشكل يتواكب مع مسؤولياتها وصلاحيتها التي نتطلع لأن تتجسد على أرض الواقع في خضم الممارسات الخاطئة في الأسواق.
فهذه المبادرة التي بررتها الهيئة بأنها تأتي إنسجاما مع إقتراب شهر رمضان المبارك، وبأنها تتزامن مع إرتفاع الإستهلاك العشوائي وحرصها على ترشيد الإنفاق تبرير مردود وغير موفق جملة وتفصيلا، فالهيئة وبمجرد عقد إتفاق مع متاجر أو مراكز تجارية يفترض بأنها الرقيب عليها دخلت وفورا في (المحظورات) وإضحت شريكا لأحد طرفي المعادلة وبالتالي هي نفسها في أمس الحاجة لمن يراقبها بإعتبارها أضحت تاجرا وإبتعدت بما يكفي عن حياديتها، وتخلت عن آمال المستهلك فيها كقاضي عادل، وهذا الإنحياز أخل بنظام عملها ومس حيادتها في مقتل.
فهذا النوع من العلاقة يطلق عليه في علم الإقتصاد بتضارب المصالح، وهو أحد مدخلات إنتاج الفساد الإداري والذي مابرحت الدولة تسعى جاهدة للحد منه وتقليم أظافرة الطويلة الحادة، ومع هذا لا نقول بأن الهيئة أمست كذلك.
وإذا ما ألقينا نظرة موضوعية على نظام الهيئة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم: 26/2011 وإلى المرسوم السلطاني السامي رقم 53/2011 بإصدار نظامها لا نجد أن من إختصاصها ما يشير إلى إمكانية تقديم عروض تجارية ولتقف مع التاجر كتفا إزاء كتف في مواجهة المستهلك الذي عليه البحث عن هيئة بديلة لحمايته بعد أن أضحت هيئته تاجرا يشار إليه بالبنان، هي بذلك ينطبق عليها المثل الشعبي (تعاون القط والفار على خراب الدار).
الجانب الآخر فإن العمل الخيري له أصوله ومؤسساته العاملة في السلطنة مثل الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية والجمعيات مثل دار العطف والرحمة وغيرها التي لها برامجها وأدوارها في هذا الشأن، وبالتالي فإن الجديد هنا أن يأت العمل الخيري التجاري الرمضاني النبيل من قبل جهة حكومية أُنشئت أصلا من أجل مراقبة الأسواق ومتابعتها ولحماية المستهلك.
ففي هذا المنحى إخلال بالعمل الرقابي بل خروج منه كليا والإنتقال عنوة للتدخل بغير وجه حق في أعمال جهات أخرى مختصة ومتخصصة في هذا النوع من الأعمال.
في الواقع لا نعرف هل الهيئة وفي سياق مسؤوليتها الجديدة غير المقننة قانونا تنحصر في تقديم عروض تجارية بالإنابة عن المراكز التجارية، أم ياترى هي شريك للمراكز التجارية وفي الخسائر والأرباح معا، فبيانها الذي قدمته في إطار هذا الشئ الجديد لم يوضح ذلك.
ما نعرفه باليقين أن العروض الترويجية لها فوائد ومضار، وتكمن في البضائع كحزمة معروضة للتداول أو البيع، فإن إستحسنها المستهلك فذاك هو المنى، وأن رفضها فسيهرع للهيئة شاكيا ونادبا ومنددا بهذا الحشف المقترن بسؤ الكيل، ففي هذه الحالة لمن يهرع والهيئة فيها الخصام وهي الخصم والحكم، هنا تكمن المعضلة للآسف.
في هذا المنعطف يجب على الهيئة أن تنيخ مطاياها، ثم تقدم إعتذارا شديد اللهجة أو لطيف اللهجة وبناء لمراجها العام لجموع المستهلكين بعد أن خيبت ظنهم فيها، ومن ثم الإعلان بوضوح عن الانسحاب عن هذه المبادرة ضبابية المشهد ظلامية القسمات فهي لا تشبهها لامن بعيد ولا من قريب.
بالطبع نقدر للهيئة دورها في مراقبة الأسواق ومسؤوليتها لكن أن تدخل في تضارب مصالح فهذه واسعة بعض الشئ نقول ذلك تأدبا إذ في الجعبة وصف أضخم نحجم عنه إنطلاقا من مبدأ حسن الظن فيها وبها.
نأمل من هيئة حماية المستهلك أن تركز على دورها ومسؤولياتها المنصوص عليها قانونا، وتناي بنفسها وسمعتها عن هكذا مبادرات، فالإعتراف بالخطأ هو في الأصل فضيلة.