سيرة أبن ماجد (2)

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٥/مارس/٢٠٢١ ٠٨:٤٦ ص
سيرة أبن ماجد (2)

بقلم : محمد الرواس

«إن الخلف يبدأ من حيث وصل السلف «

أحمد بن ماجد

لما بلغ أحمد بن ماجد العشرين من عمره أصبح رباناً ماهراً يقود السفن ويجرب المعارف البحرية ، ويكتب ويؤلف القصائد ، ويدقق في علوم البحار، لكنه لم يكن لينسى فضل والده وجده فيما وصل اليه، ولقد قال احمد بن ماجد: «ولقد حررنا وقررنا علم الرجلين ( يقصد جده ووالده ) النادرين وارخناه وفهمنا جميع ما جرباه « ولقد كان فى رحلاته الأولى مع والده يمارس أعمال السفينة واستخدام الاسطرلاب ، ولقد كان ماهراً به بعد ذلك واضاف عليه من خلال كثرة تجاربه المتكررة، واستطاع ان يعدل فيه ويطوره ، هذا بجانب معرفته مما تعلمه من علم النجوم ومواقعها ومتى تظهر ، وزاد على ذلك في خلال سفراته بمعارف كثيرة وعلوم متعددة ، كالجغرافيا ، وتفسير هبوب الرياح ، وعوامل المد والجزر وغيرها من العلوم البحرية .

وكان والد احمد بن ماجد يلقب عند البحارة (ربان البرين) ويقصدون بر العرب وبر الهند ، ولوالده ارجوزة مشهورة تسمى الحجازية تتجاوز الف بيت ويذكر فيها معظم ما شاهده من بحار وجزر وخلجان واقاليم ولقد ختم ارجوزته تلك بقوله :قد فرغ القرطاس والمد/‏‏وما بلغت العشر من اعدادي..بعد وفاة والده أصبح ابن ماجد يمتلك خبرات عديدة وعلوماً مختلفة بجانب معرفته ببعض اللغات واللهجات والمواهب النادرة والثقافات المتعددة ، حيث انه لما استقل في رحلاته زاد على ما اكتسبه في شؤون البحر والفلك والكثير من المبادئ الجديدة والعلوم الحديثة ونال شهرة واسعة في الفترة الوسطى من حياته .

خلال رحلات أحمد بن ماجد كان يوثق ويدون رحلاته ومعارفه عن طريق الشعر واراجيزه الشعرية (والاراجيز يقصد بها الشعر المنظوم على قافية بحر الرجز وهو احد بحور الشعر ومفرده ارجوزة ) والتي ألف منها كتبه فيما بعد ، وكما قيل قديما « الشعر ديوان العرب» وكان شعره يحتوى على قضايا ومعارف وأسس وقوانين البحار ، وكانت رحلات أحمد بن ماجد كلها مغامرات وفيها الكثير من الاخطار والمشاق ، ولكن الطاف الله كتبت له النجاة من الكثير من الأهوال ، هذا بجانب العلم الذي اكتسبه فكتب الله له السلامة في كثير من الرحلات ، كان ابن ماجد رجلاً شجاعاً جريئاً دائما ما كان يبحث العلوم وهمه المعرفة ، ولقد كان له صديق ربان ماهر يدعى سليمان المهري رافقه في كثير من رحلاته ، ولقد خرج ابن ماجد ذات مرة الى الحج قاصدا جدة وكتب عن هذه الرحلة في قصائده واسمى نفسه «حاج الحرمين « وذكر رحلته هذه باحدى ارجيزه الشعرية ، ومما يجدر ذكره أن ابن ماجد قد بدأ في سفره وترحاله ببحر الهند واكتشافه له ، ثم البحر الأحمر ومعرفة أغواره ، ثم اتجه الى سواحل شرق افريقيا وكتب عنها الكثير وكانت له علاقات كثيرة مع ملوك مدنها وسلاطينها ووصل كذلك الى بحر الصين .

كان البحارة قديماً يحتفظون بسجل يسمى سجل البحارة وهو عبارة عن دليل ملاحة وهي دفاتر يتدارسونها ويعملون بما فيها وهي من المرشدات البحرية التى الفها المعلم أحمد بن ماجد ، كان ابن ماجد منذ ارتياده البحر يدون ما يشاهده ويحفظ ما يسمعه ولقد سجل له التاريخ أن له الفضل فى إرساء قواعد الملاحة بجانب أنه يقرض الشعر وهذه كانت ميزة ، فحُفظت معِارفه وخبراته من خلال شعرة واراجيزه واشهرها تسمى «الرحمانية»

ولقد تميز أسلوب أبن ماجد منذ حداثته بالدقة وذلك لكونه يكثر الاطلاع ، ويمحص المعلومة ، ويعيد التجربة ولقد كان في هذا الشأن ذا همة عظيمة وذكاء ، فلقد دلت كتاباته على علمه البليغ باللغة العربية وكان عارفاً وضليعاً بعلم الفلك وخبيراً باسماء الكواكب بالعربية ،وباليونانية ، وكان يستخدم الأسطرلاب بمهارة فائقة مكنته من أن يُطلق عليه لقب «المعلم « بجانب العديد من الألقاب التي حظي بها خلال سيرة حياته .

وللحديث بقية ...