بقلم : محمد محمود عثمان
التنوع الاقتصادي ضرورة حتمية يفرضها الواقع الآن في ظل الأزمات الاقتصادية المتوالية التي ألمت بمعظم اقتصاديات العالم النامي ، ومعها الدول النفطية التي تعتمد على مصدر وحيد للدخل واستكانت لذلك ،بدون البحث الجاد عن البدائل وإن اتجه بعضها للصناعات الثقيلة - غير المؤهلة لها -، وإنشاء مناطق صناعية لا جدوى حقيقية منها بعد عقود من إنشائها ، وأهملت المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعد المحور الأساسي في خطط التنوع الاقتصادي، ولا يمكن القول بأن معظم الدول العربية قد نجحت في حل هذه الاشكالية ، نتيجة لعدة عوامل منها عدم التركيز على تفعيل وتعظيم المميزات النسبية في تطوير وتنمية القطاعات التي تجعلها أكثر تنافسية وكفاءة ويمنحها أفضلية نسبية عن باقي الدول، ولا سيما مع الوفرة في الموارد البشرية ،ولكن سوء إدارة هذا الملف أدى إلى اعتبار زيادة الثروة البشرية معضلة كبرى ومعوق أساسي أمام التنمية أو الإصلاحات الاقتصادية ، بل واعتبارها عبئا كئيبا وثقيلا على الاقتصاد ،والقول بأنها تلتهم ثمار مشروعات التنمية وتجهض محاولات رفع المستوى المعيشي أوتحسين الدخل وتؤثر سلبا على خدمات التعليم والصحة وتصنيفها بأنها العبء الأكبر على ميزانية الدولة ، وتضع الخطط العريضة للحد من الزيادة السكانية التي تنفق عليها الكثير، من خلال الحملات الإعلامية والإرشادية والتوعية الدينية ،على الرغم من أن الموارد البشرية التي لم يتم الاستفادة منها اقتصاديا نوع من الفساد الإداري الذي لا يغتفر في حق الشعوب ، خاصة عندما تعجز عن حسن توظيف هذه الثروة وتطويعها والاستفادة منها لتؤدي دورا حيويا وإنتاجيا يتوافق مع قدراتها ومستوى تأهيلها ، وجعلها مشروعا استثماريا طويل المدى ، خاصة بعد الإنفاق عليها في مراحل التعليم المختلفة وتحميل ميزانية الدولة فوق طاقتها ،باعتبارها أهم أركان التنمية الاقتصادية في كل المجتمعات ،ومن العناصرالأساسية في العملية الإنتاجية ،ولنتأمل قائمة أقوى الدول اقتصاديا على مستوى العالم، نجد ها الأكثر كثافة سكانية مثل الهند والصين رغم تجاوز عدد سكانها 1.4 بليون نسمة فإنها ثاني أكبر اقتصاد بعد إمريكا وسوف تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العام ، لأن الاستثمارفي البشرأفضل وأهم الاستثمارات ، ولعلنا ندرك مبكرا أن العصا السحرية للتقدم تبدأ من الاسفادة القصوى من الموارد البشرية لأنها المحرك الأقوى والأكثر استدامة لتغذية قطاعات سوق العمل بالقوى العاملة الرخيصة التي تمده باحتياجاته ومتطلباته الآنية والمستقبلية بتكاليف منخفضة ،ومن هنا علينا التخطيط الجيد لتأهيل هذه الثروة البشرية وفق منظومة تدريبية حديثة تتوافق من التطورات التقنية والألكترونية المتقدمة ، التي يتطلبها سوق العمل وتحتاجها كل المشاريع الاستثمارية ، بل إنها تثمل أهم عوامل الجذب الاستثماري ولا أبالغ إذا قلنا - من باب التفاؤل - بإعدادها للتصدير لأسواق العمل التي ستعاني من ندرة الأيد العاملة الرخيصة والمؤهلة تقنيا خاصة في الأسواق الغربية ، لذلك من الخطأ أن يقتصر فهمنا على أن زيادة الموارد البشرية نقمة على الشعوب وليست ميزة تنافسية ذات قيمة مضافة يعتمد عليها في التنمية الاقتصادية والتنوع الاقتصادي وفي التركيز على تنفيذ مجموعة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، وأن تتنشر هذه الصناعات في كل بيت أومنزل في ربوع الدولة ليعمل فيها كل أفراد الأسرة ، وهى صناعة لا تحتاج إلى تكاليف أو بني اساسية ولا سيما أن معظم ماركات الصناعات العالمية في أوروبا وإمريكا والصين كانت بداياتها من المشروعات الصغيرة ،لذلك من النجاح أن نبدأ حتى ولو من خلال صناعة صغيرة واحدة نتميز بها ونتفوق فيها وننفرد بها عالميا أو حتى إقليميا ،وتحقق تنوعا إيجابيا في مصادر الدخل والاستفادة من الثروة البشرية التي تمثل ايد عاملة رخيصة والابتعاد عن المواجة السلبية من خلال خطط التخلص من الثروة البشرية أو الحد من الإنجاب والمواليد ، وهنا تكون الطامة الكبرى في إهدارالطاقات والوقت والجهد والموارد المالية والبشرية لأن الثروة البشرية الحقيقية هي العنصر القادرعلى العمل، وهى التي جنبت الاقتصاد الصيني الانكماش مع تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3% رغم جائحة كورونا، ولذلك نجد أن الفروق الحقيقية بين المجتمعات في كيفية الاستفادة القصوى من الموارد البشرية المدربة في المشروعات الصغيرة التي تعد عمد تنوع مصادر الدخل وعمودها الفقري، والتي لم نُعدها جيدا كمنتج بشري يحقق التنوع الاقتصادي من خلال الرؤية الإدارية الواعية الرشيدة وبعيدة النظر.