مسقط - خالد عرابي
أعلنت جمهورية الصين الشعبية يوم الخميس الفائت انتصارها ونجاحها في معركتها للقضاء على الفقر بصورة نهائية في البلاد وهو الإنجاز الذي أشاد به الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيا يوم الخميس واصفا إياه بأنه بـ «انتصار كامل»، وما أطلقت عليه «الانتصار الكبير» أو «انتصارها الكبير»، وذلك لأنه ووفقا لما أعلنته الدولة رسميا بأنها استطاعت خلال السنوات الثمانية الفائتة تمكين 98.99 مليون مواطن ريفي فقير من تجاوز مستوى خط الفقر الذي حددته الحكومة وفقا لنصيب الفرد من الدخل السنوي والذي حددته الأمم المتحدة ، حيث كانت الصين قد تعهدت في العام 2016، رسميا بأنه بنهاية العام 2020 فإنها ستنتشل 832 مقاطعة من الفقر المدقع وهو الهدف حققته في نوفمبر الفائت. وبحسب شبكة تلفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ قال في الاحتفال الذي أقيم خصيصا لهذه المناسبة يوم الخميس في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين، ووسط حشود هائلة من الصينيين تحتفل بإنجازات بلادها في مجال القضاء على الفقر المدقع، وللاحتفاء بالمشاركين الرئيسيين في هذا الإنجاز: «هذا الإنجاز العظيم لهو بحق مجد عظيم للشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني وأمتنا جميعا»، كما أثنى الرئيس «شي» على النماذج الحسنة التي يجب الإقتداء بها في هذه القضية، مشيدا بالإنجاز باعتباره «معجزة على كوكب الأرض لا بد من تدوينها في صفحات التاريخ الخالدة حتى تظل راسخة في أذهان الجميع».، ومؤكدا على أن البداية لم تكن سهلة على الإطلاق، وأن الإصلاح يستغرق وقتا طويلا وعملا دؤوبا .
نتائج مبهرة
ولعل ما أعلن عنه وهذه النتائج المبهرة التي تحققت والأرقام المعلنة لهذا العدد الضخم من الملايين التي قاربت من 100 مليون نسمة وأن تتجاوز مستوى و حد الفقر المدقع لهو مؤشر رئيسي على أن الصين تمكنت من جني ثمار جهودها المتواصلة في السعي نحو تحقيق الازدهار المستدام في جميع النواحي حسب جداول زمنية محددة.. هذا و يجدر بالذكر أن هذا الإنجاز حدث قبل 10 سنوات من بدء خطة البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم لتحقيق أهداف برنامج الأمم المتحدة 2030 المعني بالتنمية المستدامة، وذلك وفقا لرؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ. وقد تصادف تحقيق هذا الإنجاز في نفس العام مع موعد احتفال الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه.
القصة من البداية
وأشارت شبكة تلفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) إلى بدايات خوض معركة الدولة الصينية ضد الفقر، ففي أوائل الثمانينيات عندما كان «شي» في الثلاثينيات من عمره، تم إرساله للعمل كمسؤول على مستوى القاعدة الشعبية في مدينة تشنغدينغ، شمال مقاطعة خبي، في إطار سعي البلاد لتنفيذ برامج واسعة النطاق تعمل على تخفيف حدة الفقر. وتلك كانت الإنطلاقة لتنفيذ تجاربه الإصلاحية التي تمثلت في: تحسين عقود الأراضي الواقعة في المناطق الريفية. ثم أصبح فيما بعد سكرتيرا للجنة الحزب بمدينة نينغد بمقاطعة فوجيان الجنوبية الشرقية.
وعلى مدى العقدين المقبلين، جعل الرئيس شي حلمه في القضاء على الفقر محور اهتمام الحياة السياسية في الصين.
وفي هذا الصدد، قال النائب السابق لمدير مكتب أبحاث السياسات باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، شي تشي هونغ: «إن عملية الإصلاح التي قادها «شي» هي وليدة تجاربه وخبراته الكبيرة. فقد كان على يقين أن الأساليب القديمة النمطية لن تؤتي ثمارها، وأن الإصلاح أمر لا بد من وضع خطة ممنهجة لتنفيذه» ، علاوة على ذلك فقد تردد الرئيس الصيني - منذ عام 2012- على زيارة المجتمعات الفقيرة أكثر من 50 مرة من أجل التعرف على حياة الناس بشكل أفضل.
يذكر أن الرئيس «شي» في كتابه «النهوض والخروج من الفقر»: «لقد كنت أشعر دوما بالقلق وعدم الارتياح». «حيث إن التخفيف من حدة الفقر هو مهمة شاقة للغاية تتطلب جهودا متواصلة من أجيال عديدة».
الدقة مفتاح نجاح الصين
وإن كان من توصيف لكلمة السر أو المفتاح في نجاح الصين في تجربتها ضد الفقر ونجاحها في القضاء عليه فإنه يمكن تلخيصها في جملة «الدقة هي مفتاح نجاح الصين في شتى المجالات» والقيام بالتدابير المصممة خصيصا استنادا إلى الحالات العملية ذات الخصائص الصينية، وقد قالها الرئيس شي في خطابة ووصف ذلك - في خطابه يوم الخميس الماضي حين قال: «إن مسار القضاء على الفقر الذي يتميز بخصائص صينية». و بالانتقال من منزل إلى منزل، تم الرد على الأسئلة المتعلقة بمن يحتاج أن نمد له يد العون على وجه الخصوص، ومن ينبغي أن يقدم هو يد العون، وكيف ينبغي تقديم سبل الدعم والمساعدة، وما هي المعايير والإجراءات التي ينبغي اعتمادها للخروج من خطر الفقر.
ومن أجل المضي في اتخاذ خطوة جسورة، أرسلت الحكومة المركزية أيضا الملايين من مسؤولي المدينة إلى المناطق المستهدفة ــ وحثتهم على السفر إلى أفقر القواعد الشعبية والتعامل مع أفراد في ظروف مادية صعبة. وكان الرئيس شي نفسه قد طرح في أواخر العام 2013 استراتيجية تستهدف التخفيف من وطأة الفقر، حيث قارن بين تبني مناهج عشوائية «وعمليات التطوير التي تتم وفق مناهج محددة».
وحول السؤال الأهم وهو: كيف يمكن للصين أن تقضي على الفقر المدقع؟ أجاب عميد المعهد المتقدم للدراسات الصينية العالمية والمعاصرة في جامعة هونغ كونغ الصينية في شنتشن، تشنغ يونغنيان، لشبكة (سي جي تي إن): «إنه بفضل فلسفة الحزب الحاكم، وهدف السعي نحو تحقيق الرخاء المشترك»، وأضاف قائلا: «تحسنت البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية في المناطق الريفية. كما توضح البيانات الرسمية أن أكثر من 9.6 مليون شخص قد انتقلوا من منازلهم الصغيرة المبنية من الطوب والتي قد تشكل عليهم مخاوف تتعلق بالسلامة. علاوة على ذلك، دخلت بعض المستشفيات الريفية في شراكة مع نظيراتها الموجودة في المدن الكبرى لتقديم خدمات طبية عالية الجودة لسكان الريف.
وقال رئيس المستشفى العام في مدينة تشنشيونغ بمقاطعة يوننان، هو يي: «يعد الفقر الناجم عن المرض من أصعب المشكلات المتجذرة في المناطق الريفية». «فهم حاليا ليسوا مضطرين للسفر بعيدا من أجل تلقي العلاج ولو كان من مرض خطير.»
صناعة زراعية متميزة
وتهدف الصين في هذه الآونة إلى تحقيق المزيد بالإضافة إلى تعزيز نتائجها التي تم التوصل إليها بالفعل. ولقد حددت أهدافا لتحقيق التحديث الأساسي الموجه نحو الزراعة والمناطق الريفية بحلول عام 2035، والهدف الكبير المتمثل في الوصول إلى صناعة زراعية متميزة وريف جميل ومزارعين ميسورين الحال بحلول عام 2050. و في هذا السياق، صرح زميل باحث في معهد التنمية الريفية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لي غو شيانغ، في مقال رأي لشبكة (سي جي تي إن) تحت عنوان: «الحفاظ على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين» قائلا: «لتسريع تشكيل نمط تنموي جديد من التداول المزدوج حيث تعزز الأسواق المحلية والأجنبية بعضها البعض، مع كون السوق المحلية الدعامة الأساسية، فإنه من الضروري للزراعة والمناطق الريفية والمزارعين أن يلعبوا دورا مستقرا وداعما». بالنسبة لتلك القرى التي يقتصر بيع المنتجات الزراعية فيها على محيطها أصبحت أسواقها واسعة الآن بفضل خدمة التجارة الإلكترونية سريعة التطور.
نماذج تتحدث
وقال لوه هويمين، وهو مواطن من مدينة وانيان بمقاطعة جيانغشي، بتحليل الطلب على المنتجات الزراعية في المدن وتحسين المعروض من المنتجات الزراعية. وهو يفتح حاليا سلسلة متاجر تقدم المحاصيل والزيت للسكان في جميع أنحاء البلاد - من نانتشانغ عاصمة مقاطعة جيانغشي وصولا إلى مقاطعة غوانغدونغ الجنوبية. هذا و يعمل في تلك السلسلة أكثر من 90 شخصا - جميعهم من مسقط رأس لوه هويمين- وبفضل اجتهادهم فإنهم يتلقون حاليا ما يصل إلى 15000 يوان (أي حوالي 2172 دولارا) شهريا.. ووفقا لاستبيان شمل 3378 عاملا مهاجرا تم إجراؤه في أوائل عام 2019، ذكر أكثر من 60 بالمائة من المشاركين في الاستبيان أنهم يعتقدون أن تحسين الموارد العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية كلها أمور تجعلهم يفضلون البقاء في الريف أو العودة من المناطق الساحلية.
وكان مما ذكره الرئيس شي - في خطاب يوم الخميس- إن الصعوبات التي تواجهنا في تطوير الريف لا تقل عن نظيرتها التي تواجهنا في سبيل القضاء على الفقر المدقع. ثم أردف قائلا: «لكننا سنحافظ على زخم العمل الدؤوب وسنواصل السير صوب تحقيق أهداف أمتنا!».
دروس من تجربة حرب الصين على الفقر
وأرجعت الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الدولية في جامعة شيان جياوتونغ ليفربول الدكتورة أليساندرا كابيليتي، السبب في نجاح هذا المشروع الصيني إلى عدة عومل منها الصدق والجدية و الإصرار والدقة في التطبيق، رأت أن هناك عددا من الدروس التي يمكن للبلدان الأخرى أن تتعلمها من تلك التجربة الصينينة ولخصتها في عدة دروس هي :
الدرس الأول: أجعله أولوية
تقول الدكتورة كابيليتي إن أحد مفاتيح نجاح خطة الصين هو الإرادة السياسية القوية. وتقول: «لقد حشدت الحكومة الآلة بأكملها، من وجهة نظر بيروقراطية». وأضافت: كانت الأمور في طريقها للوصول إلى الموعد النهائي، لكن في وقت مبكر من هذا العام، تسببت جائحة (كوفيد-19) في تباطؤ الاقتصاد العالمي.. بدلاً من توقيف البرنامج، كما تقول الدكتورة كابيليتي، أصدرت الحكومة المركزية بسرعة توجيهات للمسؤولين المحليين بالبقاء مركزين على الهدف. «عندما تحدد الحكومة المركزية هدفًا محددًا، يصبح ذلك حقًا ضرورة».
الدرس 2: فكر في المستقبل:
بمجرد انتشال مقاطعة من الفقر، يكون من السهل على المسؤولين الجلوس وتهنئة أنفسهم على العمل الجيد الذي قاموا به. ومع ذلك، تقول الدكتورة كابيليتي: «يعتقد صانعو السياسة الصينيون أن كل حل يولد 10 مشاكل أخرى. وهذا من وجهة النظر «العلاقاتية» العالمية»، التي ترى التعقيد في كل شيء». وتقول: «تتمثل إحدى الإستراتيجيات في مساعدة المزارعين على تطوير أعمالهم الخاصة. ففي قرية في سيشوان، ساعدت جامعة الصين الزراعية في بكين المزارعين على ترميم منازلهم وتأجير الغرف للسياح».
الدرس 3: انظر إلى الداخل
توضح كابيليتي أنه على مر السنين، حولت الصين تركيزها الاقتصادي: «كانت هناك اندفاعة لترقية النظام الاقتصادي الصيني من نظام يعتمد على العمالة الرخيصة ويعتمد على الفحم، إلى نموذج مبتكر تقوده التكنولوجيا.» كما أعطت الدولة الأولوية لتعزيز السوق المحلية وتقليل الاعتماد على التصدير. وتوضح أن إحدى الطرق غير المباشرة لتحفيز الاقتصاد المحلي تتمثل في زيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، لأنه عندما تكون هذه الخدمات في متناول المواطنين العاديين، يكون هناك المزيد من الدخل المتاح.