بقلم : علي المطاعني
لا نبالغ إذا قلنا إنّ مهرجان البشائر في نسخته الرابعة لهذا العام كان حدثا استثنائيًا بمعنى الكلمة من كل النواحي سواء كانت مقاييس تنظيمية أو ميدان أوجوائز أو مشاركات واسعة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وشاهد الجمع الحلة الجديدة الزاهية التي ظهر بها المضمار بعد اكتمال أعمال التوسعة فيه وما شهده من نواحٍ تطويرية انتظمت كافة مرافقه فأضحى أكثر جاهزية، وسيشكل قبلة مستقبلية لاستضافة مختلف فعاليات الهجن المحلية والإقليمية.
لقد أصبح مهرجان البشائر علامة بارزة في المهرجانات المشابهة في دول المنطقة بفضل الاهتمام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق وصاحب السمو السيّد أسعد بن طارق، الذي يولي اهتمامًا كبيرا بهذا المجال المهم كأحد الموروثات العمانيّة الأصيلة في بلادنا، وكمورد اقتصادي مهم لأصحاب الإبل الذين يشكلون شرائح واسعة من المجتمع العماني، الأمر الذي يبعث على الاعتزاز لما نشهده من اهتمام يوازي مكانة الهجن في السلطنة، ويرتقي بسباقاتها ومهرجاناتها، إيمانًا بأهميّة هذا الجانب كجزء لا يتجزأ من الاهتمام الكلي بالموروثات العمانيّة الضاربة في عمق التاريخ والجذور.
فعلى الرغم من الظروف الصحيّة الناتجة عن تأثيرات فيروس كورونا كوفيد 19، وانعكاساته السلبية، إلا أنّ المهرجان حظي بزخم واهتمام كبيرين لما يمثله من أهميّة ليست رسمية فقط وإنّما نتيجة لوقع هذا الموروث في حياة الناس بالسلطنة وارتباطه بالإنسان العماني، وبوصفه إرثا حضاريا أيضا يجذب السياح والمهتمين بهذه الرياضات التقليدية في حياة الشعوب، وهو بحد ذاته استثمار في ترسيخ هذه الموروثات كجزء من التنوّع الثقافي الذي يزخر به مجتمعنا وإحيائه بما يسهم في توارثه جيلا إثر جيل.
لقد كسر مهرجان البشائر الحالة السيكولوجية المترتبة على آثار وانعكاسات فيروس «كورونا» لدى المواطنين وحالة التخوّف السائدة وما تحمله من مخاوف من تأثيرات الفيروس وانعكاساتها على الأنشطة الرياضية، وقد رأينا علامات الابتهاج والبهجة تغمر الناس أثناء متابعاتهم للمهرجان وتبادلهم مقاطع منه في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عزز من المعنويات بإمكانيّة ممارسة الأنشطة مع الالتزام بالاحتياطيات الصحيّة الواجبة.
فهذا المهرجان الشعبي الكبير كذلك أصبح له صدى واسع في الخليج العربي، وهذا يضفي عليه أهميّة وقيمة كبيرة في توظيفه للترويج للسلطنة لدى الأوساط الخليجية المًهتمة بهذه الرياضة أو المواطنين بشكل عام، بجانب تسليط الضوء على الهجن في السلطنة والسباقات كلها، وكذلك عكس صورة ناصعة لما تزخر به السلطنة من إرث حضاري متعدد ومتنوع يشكل بانوراما ثفافية متنوعة تعكس ثقافة الشعب العماني.
المشاركة الخليجية في المهرجان كانت حاضرة وبصورة كبيرة لا تخطئها العين رغم كل الاحترازات الصحية والضوابط، وأكسبت الفعالية نكهة وإضافة قيّمة، حيث منحته بعده الإقليمي المطلوب كأحد المهرجانات المشهود لها في المنطقة، وهذا بحد ذاته نجاح متميز للمنظمين، فالرياضة أعظم سفارة، وبهذا صار المهرجان لقاء محبة وإخاء جمع بين مُلاك الهجن من السلطنة والأشقاء من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولاية أدم بمحافظة الداخلية كان لها نصيب من مكاسب مهرجان البشائر بأنّها تحولت إلى نقطة جذب سياحي بفضل تدفق الكثير من المهتمين والمتابعين لهذا المهرجان، بل أصبحت نقطة انطلاق لسباقات الهجن، واسم وضع في خارطة هذه الرياضة العريقة في المنطقة وسيكون لها حضورها القوي في السنوات المقبلة، ليس في وقت المهرجان فحسب وإنّما في كل المواسم، فالمعارض التي أقيمت على هامش المهرجان حُظيت باهتمام بالزوار بما عرضته من مكوّنات الإبل ومتطلباتها وكيفية الاعتناء بها وتضميرها، وهذه اللمحة الجميلة أسهمت في إثراء المهرجان من كافة جوانبه وشكّلت مصدرًا للرزق بالنسبة للفئات العاملة والمهتمة بالصناعات التقليدية.
واحدة من الإشراقات الجميلة في المهرجان ما صاحبه من تغطية إعلاميّة محليّة وإقليميّة مُتميزة، أظهرت بجلاء مكامن قوة مهرجان البشائر والهجن في السلطنة، والحضور الغفير لهذه الرياضة، مما يعد رصيدًا كبيرًا للنهوض بها في المستقبل.
فوسائل الإعلام مشكورة لم تسهم في تغطية السباق والأشواط فحسب وإنما سلّطت الضوء أيضا على حياة البادية وتفاصيلها اليومية العريقة ومورث الهجن في البلاد.
ولا ننسى بأنّ هذه المهرجانات وما تحصده من أرقام في السباقات تشكل عائدًا لمربيها ومضمّريها وبالتالي ترتفع أسهمها في الأسواق، وهذا بحد ذاته نجاح لمثل هذا المهرجانات ونتيجة من نتائجه الكثيرة.
بالطبع الحديث عن الهجن في السلطنة كغيرها من الرياضات التقليدية الواسعة ولها متابعيها ومحبيها، حديث ذو شجون ومهما تحدثنا عنها فلن نوفيها حقها، لكن من الأهميّة بمكان أن نسلط الضوء على هذه الرياضة العريقة كجزء من واجباتنا.
نأمل أن تُكلل الجهود المبذولة في ترسيخ رياضة الهجن بالنجاح والتوفيق وأن نعزز من كل المبادرات الهادفة لإظهار مكنونات هذا الوطن العريق، وإعطاء أصحاب العلاقة ما يستحقون من الاهتمام.
باعتبارهم الأساس لاستدامة هذه الرياضات والمهرجانات الدالة على عراقة الوطن وموروثه الشعبي والحضاري.